الرأي , خربشة ومغزى
المكتبة الوطنية بباريس .. واستحواذ المخطوطات العربية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
قبل الحديث عن هذه المكتبة لابد لنا من هذه التوطئة. يُعدُّ الفرنسيون من أكثر الشعوب الأوروبية اهتمامًا بالثقافة بمفهومها الشامل، ولا عجب أن تسمى عاصمتهم باريس بعاصمة الجمال والفن والفكر لما لأهلها من اعتناء كبير بها.
وكان من الطبيعي أن تستحوذ الحضارة العربية الإسلامية على اهتمام الفرنسيين؛ حيث اخترق العرب المسلمين قلب أوروبا من قاعدة مُلكهم في الأندلس، ثم عاد الفرنسيون ليخترقوا قلب البلاد العربية الإسلامية أثناء الحروب الصليبية مع تفاوت في المقارنة والمقاربة. وهذا بالطبع أتاح الفرصة لمزيد من الاحتكاك الحضاري بينهما.
عصر الاستعمار جاءت فرنسا مصر مع حملة نابليون التي داست الأزهر بسنابك الخيول، ثم جاءت مرة أخرى لتحفر قناة السويس، وجاءت بعدها لتضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي في المشرق. وفي المغرب العربي جثمت على الجزائر.
وفي هذا التماس المتواصل عرف الفرنسيون كثيرًا عن الإسلام والعروبة، ونهبوا واقتنوا كثيرًا من المخطوطات، ونبغ من المستشرقين الفرنسيين جماعةٌ مشهورةٌ. فتخصص “البارون دي ساسي المُتوفي 1838م في الجغرافيا والأدب العربي. وتخصَّص تلميذه “دي سلان” في الأدب والتاريخ والإسلامي، ونبغ كازانوفا المُتوفى 1926م في فقه اللغة العربية. واعتنى كارادي فو المُتوفى 1953 بالرياضيات والفلسفة. واشتهر لوي ماسينيون المُتوفى 1962م بدراساته في مجال التصوف الإسلامي، واهتم هنري كوربان المُتوفى 1979م بنشر المخطوطات العربية وبحث العقائد الإسلامية. وهناك العشرات بل المئات من المستشرقين الفرنسيين الآخرين، بحيث يمكن القول إن الاستشراق الفرنسي غطّى كافة مجالات الحضارة العربية الإسلامية.
والمخطوطات العربية الاسلامية في فرنسا من الكثرة بحيث يصعب حصرها جميعًا، وأغلبها وأشهرها موجود في المكتبة الوطنية بباريس.
أُنشئت المكتبة الوطنية Bibliotheque National في سنة 1654م، وتزايد رصيدها مع توالي الأيام أصول ومخطوطات التراث العربي ضمن هذا الرصيد.
والمكتبة تحتوي اليوم على أكثر من ستة ملايين كتابًا ومخطوطًا، منها سبعة آلاف أو يزيد من نوادر المخطوطات العربية. بدأت فرنسا اقتناءها على أيدي المستشرقين الذين أوفدهم كولير إلى الشرق فابتاعوا لها 630 مخطوطًا. ثم ضُمَّ إليها مخطوطات الأديرة والكنائس كدير السربون وسان جيرمان 300 مخطوط. وأرسل إليها نابليون من حملته على مصر 320 مخطوطًا، وأهدى لها المستشرق شيفر 276 مخطوطًا عربيًا.
كذلك تجمع في المكتبة الوطنية قطع من القرآن الكريم على الرق (جلد الغزال) من القرن الثاني والثالث والرابع هجري. ومن المخطوطات مثلاً:
“المدخل إلى صناعة النجوم لأبي معشر البلخي”
“ألكنى والأسماء للدولابي”
“التمهيد للباقلاني”
” تحقيق ماللهند للبيروني”
” مقامات الحريري المزدانة بالرسوم”
“نزهة المشتاق للإدريسي”
وهذا غيض من فيض للنسخ النادرة، وفي فرنسا عدة مكتبات أخرى غير الوطنية تحتفظ كل مكتبة منها بمجموعة كبيرة من المخطوطات مثل: مكتبة ستراسبورج، مكتبة المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية، ومكتبة بلدية افينيون، ومكتبة الجمعية الآسيوية.
هذا الخزين المهم لتراثنا العربي الإسلامي اكتنزته فرنسا في مكتباتها وبعضه منهوب، وهو قليل من كثير لموروثنا الحضاري الثقافي الذي تشتت إلى البلدان الغربية وغيرها عبر حالات ضعف، وموجات الفوضى التي اكتنفت جغرافية هذا التراث، تلك حكمة لها سرّها.
مبدع وكفى .. وتستحق من الاعلام الكثير الكثير اثق بأنك احد مكتسبات الادب والنقد في المملكة