خربشة ومغزى
السَّخيمة .. آفةٌ وأثِمٌ
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
السَّخيمة هي الحقد والضغينة في النفسِ البشرية، وجمعها سَّخائم. وفي الحديث: “اللهم اسْلُلْ سخيمة قلبي، واسْلُلْ بمعنى انتزاعُ الشيء وإِخراجُه في رِفْق”، ومنها السلُّ كما في حال “سَلُّ الشعرَ من العجين” ونحوه، ويأتي في معناها كذلك الانْسِلالُ أي المُضِيُّ والخروج من مَضِيق أَو زِحامٍ، ولسيبويه قول: انْسَلَلْت ليست للمطاوعة إِنما هي كفَعَلْت كما أَن افْتَقَرَ كضَعُف.
ومزيد معنى أسْلُلْ سخيمة قلبي؛ أي من غشه وغله، وحقده وحسده ونحوها بما ينشأ من الصدر، ويسكن في القلب وكلها من مساوئ الأخلاق.
وورد في حديث الأحنف: “تهادوا تذهب الإحن السخائم”، أي الحقود لما في التهادي من أثر في إطفاء الاحقاد. والسخم جمع سخيمة وفي حديث: “من سل سخيمته على طريق من طرق المسلمين لعنه الله” يعني الغائط والنَّجْو.
ورجل مسخم ذو سخيمة أي قد سخم بصدره، والسخمة: الغضب وقد تسخم عليه. ويعتبر الغضب من الأسباب التي تؤدي إلى السخيمة، فإذا اختلف شخص مع آخر في أمر ما غضب عليه وتحول إلى الحقد وإرادة الانتقام.
والسُّخْمَةُ السواد، والأسْخَمُ الأسود، وقد سَخَّمْتُ بصدر فلان إِذا أغضبته، وسللت سَخِيمَتَهُ اي بالقول اللطيف والتَّرَضِّي. والسُّخامُ بالضم سواد القِدْر، وقد سَخَّمَ وجهَه أَي سوّده، وكذلك السُّخامُ الفَحْمُ والسَّخَم السواد. وروى الأصمعي عن مُعْتَمِر قال: “لقيت حِمْيَرِيّاً آخر فقلت ما معك؟ قال: سُخامٌ، قلت: والسُّخامُ الفحم ومنه قيل: سَخَّمَ اللهُ وجهه أي سوّده. وروي عن عمر رضي الله عنه في شاهد الزُّور: يُسَخَّم وجهه أي يسوَّد، وقيل؛ سَخَّمْتُ الماء وأَوْغَرْتُه إذا سخمته. وفي الحديث: “تصافحوا فإن التصافح يذهب السخيمة”.
أساليب السخيمة تتعدد في آن واحد، وصاحبها ليس عنده شئ أكثر متعة من تلك اللحظة التي ينفذ فيها تطاوله وتسلطه على من يشاء، مثل ريح تسلك دربا معلوما غير مرئي لتزعزع نفوس أخرى، بل لتسقط فارس عن حصانه.
عتمة السخيمة حينما يهجم فاعلها على الغير تدفعه غَيْرة وهشاشة تفكير وضعف، وهو لا يملك شيئا للمنافسة أو الموهبة، ولا كذلك الحضور أو الجمال والذكاء، وهو يرغب أن يتلاشى في ظله كل من يحاول الاقتراب منه أو مسَه.
فحش السخيمة حينما تترسب فيها أحقاد مشاعر سوداء تجتاز المسافات أكثر مما يمكن للمشاعر الطيبة أن تفعل، ويظن فاعلها أن الحياة منحته حقا شرعيا لإيذاء من يتفوقون عليه.
آفة السخيمة حين تدخلها غريزة الأثرة ونزعة التملك فتبعث الجفاء والخصومة، ولنا في مجاز قصة قابيل وهابيل درس وعبره، وأبغضها ما بين الاخوان والأرحام حينما تنتفخ بها النفوس، وتعلو الأصوات ونكأ الجراح حتى يصف المتنبي ذلك الحال:
ومن البليَّةِ عذلُ من لا يرعوي
عن غيِّهِ وخطابُ من لا يفهَم
وإذا أشارَ مُحدِّثًا فكأنَّهُ
قردٌ يُقَهْقِهُ أو عجوزٌ تلطِمُ
حياتنا زلقة تتماوج فيها منظومة الحقائق والمعايير والانطباعات، وهي حياة شائكة لها عتمه حينما تكثر فيها الآثام التي تعفن في ظلامها. تلك حكمة لها سرُّ تدافع مع الخير “وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖوَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.
أيامنا تطال بلادنا سخائم أشخاص وساسة وكيانات ومنظمات تُحاك في الظلام، وتتماهي في دس الزيف والإملاءات، وتتقرص لما لم يتأت لها، وكلُّ هذا يتصايح مع إعلام مأزوم، ونكد مرسوم، وهدف معلوم، ونية آثمة، وهذا غثاء يذهب، وما ينفع الناس يمكث في الأرض. والعبرة بالخواتيم، وتفعيل الحكمة، وتعضيد اللحمة، وبُعد عن سفاسف ورغاء الأدعياء. وتبقى راية التوحيد خفاقة تحملها الأرواح عبر الأجيال.
ختاما نقول:
هلمّ أُخَيَّ نحبُّ السلامْ
لهيب الضغينة موتٌ زؤام
وقلب العداوة محشو سمام
ونفس السخيمة تشكو الآلام
هلمّ نهيم بعشق السلام
يالها من متعة حينما نقرأ ما يكتبه الكاتب، اتمنى جمع مقالاته في كتاب.. تحياتي للجميع
اشكرك اخي الأرنيب احمد ما اجمل كتابتابك تاتي بكل ما تحتاجه نفوس متابعيك وكأن بينك وبين ارواحهم تفاهم وانسجام … جميل في كل كتاباتك … صدقا اقول 🌺