اليوم الوطني الـ 92.. وحدة وطن وشموخ إنسان
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
تحتفي المملكة قيادةً وشعبًا، الجمعة «23 سبتمبر 2022م»، باليوم الوطني الثاني والتسعين للمملكة العربية السعودية.
وفي هذا اليوم العظيم من العام 1932م جاء الإعلان التاريخي للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله، لتوحيد بلادنا المباركة تحت راية “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها بعد جهاد وكفاح استمر اثنان وثلاثون عاماً وضع خلالها قواعد راسخة لهذا البنيان العظيم وذلك على هدي من كتاب الله الكريم وسنة الرسول الأمين، عليه الصلاة والسلام، سائراً في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود.
ونشأت آنذاك دولةً فتيةً تزهو بتطبيق شرع الإسلام، وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الإنسانية في كل أصقاع الدنيا ناشرةً السلام والخير والدعوة المباركة باحثةً عن العلم والتطور سائرةً بخطى حثيثة نحو مستقبل أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع.
ويستذكر أبناء هذا الوطن العظيم ومن يقيمون على أرضه المباركة يومًا مجيدًا أضحى فيه الإنسان السعودي شامخًا يعتز بدينه ووطنيته تحت ظل حكومة راشدة ارتأته ووضعته أول أهدافها نحو تطويره وتمكينه ليرتقي بين شعوب العالم بكل فخر وعزة، حاملاً لقب “المواطن السعودي”.
ويستحضرون هذه المناسبة وهم يعيشون اليوم واقعًا جديداً حافلاً بالمشروعات التنموية الضخمة ومشاريع الرؤية الحكيمة التي تقف شاهدًا على تقدم ورقي المملكة أسوة بمصاف الدول المتقدمة وشاهدا على كيان عظيم يتصف بالنمو والأمان والطموح والعزيمة والإصرار على تحويل المستحيل إلى واقع ملموس على أرض وطننا العظيم.
وارتسمت على أرض المملكة العربية السعودية ملحمة جهادية تمكن فيها الملك عبد العزيز – رحمه الله – من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، وبتوفيق الله وما حباه الله من حكمة وصل الملك عبد العزيز إلى إرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ قادته لنشرْ العدل والأمن ممضيًا من أجل ذلك سنين عمره.
ويعيش أبناء المملكة صور وملاحم ذلك التاريخ وأكفهم مرفوعة اليوم بالدعاء إلى الله – عز وجل – أن يجزي الملك عبد العزيز – رحمه الله – خير الجزاء، فله الفضل بعد الله فيما نحن فيه من نعم كثيرة، يرفعون أكفهم بالدعاء لكل ملوكنا الذين تعاقبوا خدمة للإسلام والمسلمين بعد وفاته – رحمهم الله جميعًا – ولقائد مسيرتنا وحامي بلادنا ومصدر فخرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله.
ونستذكر في هذا التقرير أجزاءً من شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود – رحمه الله – مؤسس وطننا العظيم المملكة العربية السعودية القائد الملهم جيلاً بعد جيل، فهو الذي أفنى عمره – رحمه الله – في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من ثمانية عقود تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، ليؤسس – بفضل الله تعالى- دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.
ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1293هـ بحسب ما ورد في مجلد طبعته دارة الملك عبد العزيز عن سيرة وشخصية الملك عبد العزيز ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة.
ومدينة الرياض تقع في وسط الجزيرة العربية بنجد، وكان أقدم ذِكر لموقع الرياض في المصادر التاريخية يعود إلى عام 715 ق م، وذلك في سياق ذكر مدينة حجر التي فقدت قيمتها في القرن العاشر الهجري، وتناثرت إلى قرى صغيرة مثل: العود، والبنية، ومعكال، والصليعاء، وجبرة، وهي أماكن لا يزال بعضها معروفًا إلى الآن في مدينة الرياض.
وخضعت الرياض لحكم الدولة السعودية الأولى والثانية، ثم عادت لحكم الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – عام 1319هـ.
ولاغرو أن يصرَّ الملك عبد العزيز – رحمه الله – على إعادة الرياض التي تعد امتدادًا تاريخيًا لمسيرة الآباء والأجداد، وولد وترعرع فيها، ونهل من علمائها بعد أن عهد به والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود – رحمه الله – إلى القاضي عبد الله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة وهو في سن السابعة من عمره، وفي سن العاشرة تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وبالتوازي مع ذلك كان الملك عبد العزيز يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية.
وتأثرت شخصية الملك عبد العزيز كثيرًا بشخصيّة والده الإمام عبد الرحمن الفيصل – رحمهما الله – حيث كان أبًا وُمعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه، فضلاً عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلاً وتدبيرًا، وكان محبًا لإخوته (خالد، فيصل، فهد، محمد ونورة)، لكن علاقته بالأميرة نورة – رحمها الله – كانت أكثر حميمية، واحتلت مكانة كبيرة في نفسه – رحمه الله -، حتى أنه ينتخي بها بالقول: “أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار”، ويحرص على زيارتها يوميًا في منزلها.
وللملك عبد العزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وصورة باسمة مشرقة بأسارير متهلّلة بما عُرف عنه – رحمه الله – من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلّفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلاً عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجلاً قدوة في أفعاله وسلوكياته.
وُعرف عن الملك عبد العزيز احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته – رحمه لله –، فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة، وأن احترامهم وحسن العلاقة بهم والاستئناس بآرائهم واجب تمليه العقيدة الإسلامية التي ظل مطبقًا لمنهجها – رحمه الله – في حياته الخاصة والحياة العامة في البلاد، ومضى على ذلك النهج من بعده أنجاله الملوك البررة.
ومرّ الملك عبد العزيز – رحمه الله – بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة – رحمه الله – خاصة منذ أن بلغ سن الخامسة عشرة، لكن هذه الأحداث أسهمت في صقل شخصيته حيث تعلّم منها الصبر والقوة والإقدام.
وعدّ المؤرخون خروج الملك عبد العزيز، مع والده الإمام عبد الرحمن – رحمهما الله – وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة “يبرين” في الأحساء ثم البحرين إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات ظل فيها الملك عبد العزيز معلق القلب بالرياض.
و”يبرين” – التي اتخذها الملك المؤسس مقرًا له لتنفيذ خطته في إعادة الرياض – تعد واحًة من واحات الأحساء بمحاذاة رمال الربع الخالي من الشمال.
وعندما بلغ الملك عبد العزيز سن العشرين من عمره وهو في الكويت توجه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية قاد مسيرتها بصحبة رجاله ليتمكنوا بفضل الله تعالى من اختراق جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة، صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد وهم في موقع يطلق عليه “أبو جفان”.
وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى “ضلع الشقيب” الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس لم تدم طويلًا، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر في الرياض، معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض، فدبّ الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو الازدهار الحضاري.
وتمكن الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – بفضل الله تعالى عبر رحلة طويلة أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكًا لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبحت لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.
واهتم الملك عبد العزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق الأول من برج الميزان 23 سبتمبر 1932م.
ووجه الملك عبد العزيز عند بداية تنظيم الدولة بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.
وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، لكن مضت أربعة أعوام عجاف لم تثمر أعمالها عن الوصول إلى نتيجة إيجابية مرضية لاكتشاف مكامن النفط، إلى أن قرّر الخبراء التنقيب حول بئر ماء في منطقة تسمى “عين جت” كان الملك عبد العزيز قد توقّف عندها عام 1319هـ في طريقه من الكويت إلى الرياض، فكانت المفاجأة وجود النفط على عمق 5 آلاف قدم تحت الأرض.
وانتعشت الأرض الصحراوية بخروج الذهب الأسود الذي حوّل الصحراء القاحلة المؤنسة بهبوب الرياح إلى مدينة مزدحمة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط.
وفي عام 1939م ضخ النفط أول بشائره في احتفال شهده الملك عبد العزيز – رحمه الله -، ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها رحمه الله.
وكان اهتمام الملك عبد العزيز – رحمه الله – بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة بقرارها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
وفي شهر محرم من عام 1373هـ ترجل الفارس الملك عبد العزيز عن صهوة جواده بعد أن اشتد عليه المرض أثناء إقامته في الطائف.
وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه – رحمه الله – إلى بارئها.
تُوفي – رحمه الله – بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد لتظل -ولله الحمد- في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر.
وُوري جثمان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله – في مقبرة العود وسط مدينة الرياض.
واهتم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله – بجمع المؤلفات العلمية خلال حياته على الرغم من انشغاله بمرحلة بناء الدولة في ذلك الوقت، فكان شغوفًا بالاطلاع على الكتب العربية المعنية بمختلف العلوم خاصة العلوم الشرعيّة وطباعة معظمها على نفقته وتوزيعها مجانًا للاستفادة منها، ليتم حاليًا رصد 1468 مجلدًا نادرًا في مكتبته الخاصة.
وتناولت كُتب ودوريات مكتبة الملك عبد العزيز الخاصة في مقرها بدارة الملك عبد العزيز بالرياض معارف نادرة ومتميّزة في مجالات العلوم الشرعية والتراجم والجغرافيا والتاريخ الإسلامي والعام واللغة العربية وآدابها مرتبة وفق فهرسة رقمية تسهّل على الباحثين والدارسين عناء البحث في المجالات العلمية والفكرية والإسلامية.
وعدّت المكتبة مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ الحديث في المملكة العربية السعودية، خاصة ما يتعلق بعلاقة الملك عبد العزيز – رحمه الله – بالعلم والمعرفة، كما تحمل كتبها في طياتها وأغلفتها عبارات وشواهد تاريخية سطرها العديد من المؤرخين والمؤلفين المعروفين في العالمين العربي والإسلامي في ذلك الزمان.
وحرص الملك عبد العزيز – رحمه الله – أثناء حياته على نشر الكتب وطباعتها وتوزيعها على الناس عامة وطلبة العلم خاصة في داخل المملكة وخارجها، كما ساعد بعض المؤلفين على الاستمرار في نشاطه العلمي من خلال شراء نسخ عديدة من الكتب المطبوعة وتوزيعها على نفقته الخاصة.
وتخصّصت الكتب التي أمر بطباعتها الملك عبد العزيز إبّان فترة حياته في مصنفات العقيدة والتفسير والفقه لأعلام السلف مثل: الشيخ أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ ابن قدامه المقدسي، ومن بينها كتابا “المغني” و “الشرح الكبير” اللذان ُطبعا على نفقة الملك عبد العزيز عام 1340هـ، كما شملت الكتب التي طُبعت تخصّصات اللغة العربية وآدابها، والتاريخ الإسلامي، والجغرافيا.
وطبعت تلك المؤلفات المنشورة على نفقة الملك عبد العزيز – أسكنه الله فسيح جناته – في مطابع عدة منها: المطبعة المصطفوية في بومباي بالهند، ومطبعة القرآن والسنة في أمرتسد بالهند، ومطبعتي المنار والنهضة في مصر، ومطبعتي الاعتدال والترقي في دمشق، والمطبعة السلفية في مكة المكرمة والقاهرة، ومطبعة أم القرى بمكة المكرمة.
ويقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ على البناء وتخطي العوائق والصعاب والتغلب على كل التحديات بفضل من الله وتوفيقه أولاً ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة.
ويتأملون ونحن معهم قيام الدولة السعودية الأولى 1139هـ بمناصرة الإمام محمد بن سعود دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الهادفة إلى العودة إلى الإسلام الصحيح وتصحيح المعتقدات مما شابها من الشبهات، حيث تعاهدا – رحمهما الله – على التعاون للعودة بالمجتمع في جزيرة العرب إلى عقيدة الإسلام كما كانت عليه في صدر الإسلام، وسارا على هذا السبيل لتحقيق هذا الهدف الكبير.
وبعد ذلك تتابع جهاد آل سعود منطلقين من ذات المنطلق فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء ستة وأربعين عاما بسبب التدخل الأجنبي.
وفى العام 1240هـ، قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام المؤسس الثاني تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود -رحمه الله – الذي واصل ومن بعده أبناؤه نهج أسلافهم نحو ثمانية وستين عامًا.
وبزغ فجر اليوم الخامس من شهر شوال من العام 1319هـ إيذانًا بعهد جديد حيث استعاد الموحّد الباني الملك عبد العزيز – رحمه الله – مدينة الرياض ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام فوضع أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويمضي بنا هذا التاريخ الجميل لنعيش معاني قوة الرجل الباني المؤسس الملك عبد العزيز ورجاله الذين وبرغم قلة عددهم وعتادهم انطلقوا من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاد حتى جمع الله به الصفوف وأرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان لتتوحد القلوب على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكذلك أرجاء البلاد، حيث أينعت حينها تلك الجهود أمنًا وأمانًا واستقرارًا وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة.
وانطلاقًا من النهج الإسلامي القويم دعا – رحمه الله – إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم إسهامًا متميزًا في تأسيس جامعة الدول العربية وفي الأمم المتحدة عضوًا مؤسسًا، كما سجّل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية.
ورحل والدنا الملك عبد العزيز – رحمه الله – بعد أن أرسى منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه.
وكان الملك سعود – رحمه الله – أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة.
وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل – رحمه الله – فتتابعت المنجزات الخيّرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية.
وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافرًا بتسلم الملك خالد – رحمه الله – الأمانة فتواصل البناء والنماء خدمة للوطن والمواطن بخاصة والإسلام والمسلمين بعامة واتصلت خطط التنمية ببعضها لتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار.
وازداد البناء الكبير عزًا ورفعة وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – ملكًا على البلاد، حيث تميزت الإنجازات في عهده – رحمه الله – بالشمولية والتكامل لتشكل عملية تنمية شاملة في بناء وطن وقيادة حكيمة فذّة لأمة جسّدت ما اتصف به الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – من صفات عديدة من أبرزها تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله وتفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني أجمع.
وشهدت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد الوطن في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة والاقتصاد.
ونعيش اليوم جميعنا حاضرًا مميزًا، ونتطلع لمستقبل أكثر تميّزًا، تملؤنا الثقة بذلك إيمانًا وثقة بعنوان المرحلة ” سلمان بن عبد العزيز ” الذي بذل وما زال – حفظه الله – منذ توليه الحكم في المملكة، جهدًا في المضي قدمًا بمسيرة الوطن، فقد تعدّدت نشاطاته في المجالات المختلفة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي تعددًا سبقه نشاطات في مراحل مختلفة تقلّد خلالها – رعاه الله – العديد من المناصب.
وفي مملكتنا الغالية يحق لنا أن نفاخر بالقول إن القلوب توحدت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتوحدت أرجاء البلاد وأينعت تلك الجهود أمناً وأماناً واستقراراً وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة.
ونزداد فخرًا حينما نشاهد المواطن يتفيأ الأمن والأمان وكذا الحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وانتهج الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – يرحمه الله – في تعامله مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى وعلى التناصح مع الرعية واغتنام الفرص لتبادل الرأي والنصح مسترشدًا بما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف.
وكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه الملك عبد العزيز – رحمه الله – وتبعه في ذلك أبناؤه من بعده الأثر الكبير فيما تعيشه المملكة من تطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين.
وأدرك الملك عبدالعزيز بثاقب بصره أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيها، ففي الحفل الذي أقامه الملك عبدالعزيز في جده في الخامس والعشرين من محرم عام 1355هـ بمناسبة انتهاء موسم الحج وقرب سفره إلى الرياض، قال رحمه الله: “المقصد من اجتماعنا الليلة أن نتناصح ونتعاضد ويطلع كل منا على ما عند الآخر من جهة ومن جهة أخرى لنودعكم لأننا على جناح سفر وسنغادر هذا البلد قريبًا وإنه ليُعزّ علينا مغادرته ولكن المصلحة تقضى بهذه التنقلات ثم هناك مسألة أحب أن أشرحها لكم لأن في نفسي منها شيئًا … أنا لا أحب أن أشق على الناس ولكن الواجب يقضي بأن أصارحكم.. إننا في أشد الحاجة إلى الاجتماع والاتصال بكم لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، وأود أن يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته وتحملوا إلى الشعب أعمالنا ونوايانا.. إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقاً دائماً لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحاً لحضور من يريد الحضور”.
واستمراراً على نهجه الكريم في توجيه النصح للرعية وشرح مالها وما عليها قال -يرحمه الله- في الخطاب الذي ألقاه في الحفل التكريمي الذي أقيم على شرفه بمناسبة سفره إلى الرياض في الثاني من صفر 1355هـ: “إنّ على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات.. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يرضي الله ورسوله ويصلح حالهم والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما فيه رقي بلادهم وأمتهم … إن خدمة الشعب واجبة علينا لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص”.
ومن ذات المنطلق الذي أدار به الملك عبد العزيز شؤون بلاده ومواطنيه بنى يرحمه الله علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين وأقام علاقات قوية مع المجتمع الدولي.
وكان صريحًا في تعامله مع القضايا التي تهم أمته على الصُّعُد كافة وقد أثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في أقواله وأفعاله فكانت تلك الرؤية وذلك النهج القاعدة والأساس القويم الذي تسير عليها المملكة في جميع تعاملها داخليًا وخارجيًا، ففي الخطاب الذي ألقاه – يرحمه الله – في المأدبة الكبرى التي أقامها لكبار حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة في 9 ذي الحجة عام 1364هـ الموافق 15 نوفمبر 1945م خصّص الجانب الأكبر من خطابه للحديث عن قضية فلسطين حيث قال يرحمه الله: “إنّ مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب في هذه الأيام وهي المسألة التي يجب أن تكون موضع عناية الجميع ومدار اهتمامهم، ومع إنني لا أحب كثرة الكلام وأفضّل العمل الصامت المثمر فإنني أقول بصراحة: إنّ السكوت عن قضية فلسطين لا يوافق المصلحة وقد سبق لي أن تكلمت مع أركان الحكومة البريطانية كما تحدثت مطولاً مع الرئيس روزفلت وذكرت بكل صراحة الحيْف الذي أصاب إخواننا عرب فلسطين والإعنات والقهر اللذين خضعوا لهما وطالبت وطلبت من الرئيس الراحل إنصاف عرب فلسطين إن لم يكن بالمساعدات الفعلية فعلى الأقل الوقوف على الحياد وعدم مساعدة اليهود عليهم”.
واليوم تمر بنا مناسبة اليوم الوطني ونحن نعيش واقعًا مشرقًا أرساه المؤسس الباني الملك عبد العزيز، نستعيد ذلك البطل وهو يقول: “أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب.. أنا رجل عمل إذا قلت فعلت وعيب علي في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل وهذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبدًا”.
نعم كان صادق القول.. إذا قال عمل وإذا عمل أنجز.. كان صاحب مبدأ وصاحب منهج سار عليه أبناؤه من بعده متلمسين خطاه مع إضافة المزيد من الإنجازات التي تسجل لهم في التاريخ بمداد من ذهب.
ومن عام إلى عام ومع كل احتفاء بيوم الوطن، يحتفل الوطن أيضاً بمنجزات جديدة داخلياً وخارجياً.
ومنذ الاحتفاء باليوم الوطني في العام الماضي 2021م تحقق العديد من المنجزات والأحداث المهمة، منها:
-الإعلان عن إطلاق مكاتب إستراتيجية لتطوير مناطق الباحة والجوف وجازان
-الإعلان عن تقدم الرياض بطلب رسمي لاستضافة معرض إكسبو الدولي 2030
-الإعلان عن إنشاء أول مدينة غير ربحية في العالم بحي عرقة في الرياض
-الإعلان عن إنشاء مدينة نيوم الصناعية “أوكساچون” أكبر تجمع صناعي عائم في العالم
-الإعلان عن إطلاق “مجموعة بوتيك” المتخصصة في الضيافة الفندقية الفاخرة
-الإعلان عن إنشاء “تروجينا” الوجهة العالمية للسياحة الجبلية في نيوم
-الإعلان عن إطلاق مشروع الملك سلمان لتوسعة قباء كأكبر توسعة في تاريخ المسجد
-الإعلان عن التطلعات والأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار للعقدين المُقبلين بما ُيعزز من تنافسية وريادة المملكة عالميًا
-الإعلان عن تصاميم “ذا لاين” مدينة المستقبل في نيوم
-افتتاح الطريق الرابط بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان
-توقيع اتفاقية تعاون مشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية اليونان في مجال النقل البحري
-توقيع اتفاقية إنشاء مجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي اليوناني
-معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2022
-إطلاق أعمال البنية التحتية والمخطط العام لمشروع “رؤى المدينة“، في المنطقة الواقعة شرق المسجد النبوي الشريف
-الرياض تحتضن أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية
-وصول التوأم السيامي العراقي عمر وعلي إلى الرياض
ومع كل عام يتدفق سيل الإنجازات لوطن يسير بخطى حثيثة وواثقة نحو مستقبل ومكانة مميزتين إقليمياً ودولياً.