على غرار الانتهاكات الإسرائيلية للتراث الثقافي الفلسطيني
محاولات روسية لمحو ثقافة أوكرانيا وهويتها باستمرار الحرب
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
غالبًا ما يكون التراث مصدرًا للصراع، ونشاهد يوميًا ما يتعرض له التراث الثقافي الفلسطيني من انتهاكات إسرائيلية تتمثل بالسلب والنهب والتزوير والتدمير لكل ما هو ثقافي وما يعبر عن الهوية الفلسطينية العربية، إضافة إلى تدنيس وتدمير المساجد ومنع المصلين الفلسطينيين. وخلال التسعينيات شاهدنا ما خلفته حرب البوسنة والهرسك من دمار واسع لتراث المسلمين البوسنيين وحتى الكاثوليك البوسنيين في مدينة موستار، فقد دمرت القوات الصربية والكرواتية المساجد والكنائس، ودمرت المكتبات والآثار التاريخية للسكان، ورغم مرور أكثر من عشرين عام على نهاية الحرب؛ ما زالت آثارها شاهدة إلى اليوم على هذا النوع من الانتهاكات الثقافية.
والحرب الروسية- الأكرانية الحالية كشفت عن محاولات كثيرة للكرملين من أجل محو ثقافة أوكرانيا وتاريخها وهويتها في المدن التي تقدمت فيها قواته من خلال القصف والهجمات الموجهة نحو أهداف معينة. معي سعي روسيا إلى إزالة جميع رموز الثقافة الأوكرانية بالقوة.
وذكرت ليزا كارتي، الممثلة الأميركية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، في بيان لها يوم 15 يوليو الماضي، إن “فلاديمير بوتين يشن حربا عدوانية شعواء دمرت أجزاء من التراث الثقافي الفريد لأوكرانيا في محاولة منه لإعادة كتابة التاريخ”.
وتراقب الأمم المتحدة والشركاء الآخرون والوكالات الدولية عن كثب الأضرار المرتبطة بالحرب التي لحقت بمواقع التراث في أوكرانيا. وقد زار مسؤولو اليونسكو أوكرانيا في شهر يوليو وأكدوا أن 164 موقعا ثقافيا قد تضررت منذ بداية الحرب في شهر فبراير، بما في ذلك:
– 72 موقعًا دينيًا.
– 12 متحفا.
– 32 مبنى تاريخيًا.
– 24 منشأة ثقافية.
– 17 نصبًا تذكاريًا وتمثالا.
– 7 مكتبات.
وقد ألحق القصف أضرارا بـ 2129 مؤسسة تعليمية، من بينها 216 مؤسسة دُمرت، وفقا لليونسكو.
وقالت كارتي “دعونا نكون واضحين: تدمير التراث الثقافي أثناء النزاع المسلح يعرض هوية الشعب وتاريخه وكرامته للخطر”.
وأخبرت كاترينا تشويفا، نائبة وزير الثقافة والسياسة الإعلامية الأوكرانية، الأمم المتحدة في شهر يوليو أن 423 موقعا ثقافيا قد تضررت. وشددت على أن تدمير المواقع الثقافية يمثل جريمة حرب محتملة وينتهك اتفاقية لاهاي للعام 1954 التي تتطلب من الدول احترام الممتلكات الثقافية أثناء النزاع.
وحدد تقرير صادر عن مرصد النزاعات، باستخدام صور الأقمار الاصطناعية والبيانات العامة، 458 حالة محتملة من الأضرار التي لحقت بالمواقع الثقافية. وتشمل المواقع الرئيسية التي تعرضت لأضرار ما يلي:
– متحف إيفانكيف التاريخي للتاريخ المحلي.
– متحف كويندجي للفنون في ماريوبول.
– مسرح الدراما الإقليمي الأكاديمي لدونيتسك في ماريوبول.
– مدرسة (G12) للفنون في ماريوبول.
– متحف تشيرنيهيف الإقليمي للفنون.
– متحف خاركيف للفنون.
– متحف هريهوري سكوفورودا التذكاري الأدبي الوطني في سكوفورودينيفكا.
نهب المتاحف الأوكرانية
منذ بداية الحرب 24 فبراير 2022م، ذكرات التقارير الدولية المنشورة في أميركا وغرب أوروبا أن القوات الروسية نهبت المتاحف في ماريوبول، واستولت على 2000 عمل فني وسرقت مقتنيات ذهبية قيّمة من متحف في ميليتوبول. وفي يونيو، داهم رجال الأمن الروس مكتبة كنيسة بيترو موهيلا في ماريوبول، وصادروا الكتب وأحرقوا المجموعة بأكملها في الفناء.
في بوروديانكا، يعد التمثال النصفي للشاعر الأوكراني الموقر والوطني تاراس تشيفتشينكو مثالا واضحا للغاية على العداء الروسي وعلى الأضرار التي لحقت بالموقع. وألحق القصف أضرارا بالعمود الذي كان يرفع التمثال، لكن الرصاص أصاب جبين الشاعر العظيم.
وكتب ستيفن م. نوريس، أستاذ التاريخ في جامعة ميامي في أوهايو، أن “رمزية الهجوم الروسي على النصب كانت واضحة. تاراس تشيفتشينكو ليس مجرد مؤسس اللغة الأدبية الأوكرانية الحديثة، بل هو أيضا أكثر من غيره رمز مهم للقومية الأوكرانية المعاصرة”.
ويسارع الخبراء المعنيون بالفن والثقافة من جميع أنحاء العالم إلى إنقاذ المواقع الأكثر قيمة في أوكرانيا من حرب بوتين غير المبررة. فمنذ العام 2002م، قدمت حكومة الولايات المتحدة أكثر من 1.7 مليون دولار لدعم 18 مشروعًا للحفاظ على التراث الثقافي في أوكرانيا. ويتم تقديم الدعم من خلال صندوق السفراء الأميركيين للحفاظ على التراث الثقافي، وهو برنامج في وزارة الخارجية الأميركية.
كما أطلق صندوق الآثار العالمي، وهو منظمة غير ربحية مقرها في نيويورك، مبادرة جديدة للحفاظ على المواقع المعرضة للخطر. وتعمل هذه المنظمة مع عدد من الشركاء الدوليين لحماية مواقع مثل البيت الأسود في لفيف وكاتدرائية القديسة صوفيا في كييف وكنيسة الثالوث المقدس في جوفكفا.
قال مكسيم كامينين، وهو مهندس معماري في كييف، “إن الكنائس هي واحدة من أهم القيم التاريخية التي تمتلكها أوكرانيا. بعض المباني يزيد عمرها عن 1000 عام؛ إنه تراث مذهل يجب أن نحافظ عليه وننقله إلى الأجيال القادمة”
فرض المعايير الروسية
في مدن جنوب أوكرانيا، يفرض بوتين المعايير الثقافية والاقتصادية الروسية وكذلك معايير المواطنة الروسية على المواطنين الأوكرانيين في انتهاك لسيادتهم. ففي ميليتوبول، قامت السلطات الروسية بـ:
– استبدال العملة الأوكرانية الهريفنيا بالروبل.
– إعطاء الأزواج المتزوجين حديثا شهادات روسية بإتمام الزفاف.
– رفع العلم الروسي في الساحة المركزية بالمدينة.
وفي ماريوبول، أزالت السلطات الروسية الكتب المدرسية التي نُشرت باللغة الأوكرانية واستبدلت بها كتبًا باللغة الروسية، وفقا لأولينا هالوشكا، عضو مجلس إدارة مركز مكافحة الفساد والمشارِكة في تأسيس المركز الدولي للانتصار الأوكراني. وكتبت هالوشكا في تغريدة لها “محاولة على أشدها لغسل دماغ الأطفال”.
وفي تغريدة لأولينا هالوشكا قالت: ’الروس أحضروا 5 آلاف كتاب مدرسي للغة الروسية والأدب والتاريخ الروسيين إلى ماريوبول. أزيلت الكتب الأوكرانية. وفي غضون ذلك، في منطقة خيرسون، يتم توزيع دفاتر “جيش روسيا” مع نص نشيدهم. محاولة على أشدها لغسل دماغ الأطفال”.
كما نُصبت الأعلام الروسية على طول الطرق السريعة المؤدية إلى ماريوبول. ورُسمت علامة للمدينة بألوان العلم الروسي.
وفي خيرسون وزابوريجيا، يصل المعلمون الروس للتأكيد على اللغة والتاريخ الروسيين. وقد أعلن بوتين أيضًا عن سياسة تمنح الجنسية الروسية السريعة للأوكرانيين في تلك المدن.
فهل هذه الحرب محاولة روسية لمحو الهوية الأوكرانية، مثل المحاولات اليومية المستمرة التي يقوم بها العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وكما حدث سابقًا في البوسنة والهرسك.