الرأي
نحمي إنسانيتنا بحماية خصوصيتنا
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
خلال جائحة كورونا ووجودي في مدينة لندن التحقت ببرنامج تدريبي تطوعي مكثف من الهيئة الصحية البريطانية NHS و St. John’s AmbulanceK، يتضمن أكثر من 13 دورة نظرية وعملية تنتهي بالحصول على شهادة تختص في مجال تطوعي محدد. وكان البرنامج التطوعي الذي اخترته وتجاوزته بنجاح يختص بالحصول على شهادة حقن لقاحات كورونا المتنوعة في مراكز التطعيم المنتشرة في الاحياء Vaccinator.
تنوعت الحقائب التدريبية بين الاحتياجات الأولية الأساسية إلى السلامة وكيفية التعامل مع المريض وإزالة مخاوفه، واحترام تنوع الأعراق والأديان والثقافات، ومعرفة تفاصيل كل لقاح من مواد التصنيع وكيفية التخزين، وكيفية الاستخدام وغيرها من برامج مكثفة جدا.
الأهم بالنسبة لي كانت الحقيبة التدريبية الخاصة بحماية خصوصية وسرية معلومات المريض وكيفية التعامل معها والإبلاغ عن أي حالات لا تحمي هذه الخصوصية ولا تصون هذه السرية، حزم وعقوبات مشددة لكل من لا يحترم هذه الخصوصية إضافة إلى تشجيع الكل على الإبلاغ عن أي حالة مخالفة لا تحترم هذه السرية التي منحها القانون والنظام لهذا المريض، فحديث أي موظف أو طبيب داخل أو خارج المؤسسة أو المنشأة الطبية عن المريض بالاسم أو برقم الملف أو بأي معلومة أو رمز قد يشير إليه أو يعرف به للآخرين هو خرق لخصوصية وسرية المعلومات.
لا يمكن في بريطانيا مشاركة تقرير طبي للمريض بشكل مباشر من خلال البريد الإلكتروني إلا بتشفيره ووضع رقم سري لما يحمله هذا التقرير من خصوصية وسرية ولا يمكن للطبيب مشاركة هذا التقرير مع عائلة المريض إلا بموافقة رسمية مكتوبة من المريض.
من تجربتي الشخصية خلال وجودي في بريطانيا وقبلها الولايات المتحدة الأميركية كان من المستحيل التواصل مع الطبيب مباشرة لسؤاله أو الحصول منه على أي معلومة تخص زوجتي أو أبنائي عند الوصول لسن 18 عام أو حتى التواصل مع شركة التأمين الطبي التي أدفع تكاليفها الشهرية إلا بموافقة مسبقة منهم لمشاركة المعلومة معي وكل ذلك لأن كل فرد له الحق بأخذ قرار مشاركة معلوماته أو أي شيء يخصه مع الآخرين حتى لو كانوا أفراد عائلة من الدرجة الأولى.
ولكن مع الأسف يوجد حالات وأمثلة في بعض المؤسسات لدينا تُنتهك فيها خصوصية سرية معلومات المريض، فمثلا قيام منسق شركات التأمين بمحاولة مساعدة المريض في إرسال التقارير الطبية والتحاليل للمريض على الواتس آب بشكل مباشر بعد قيام المنسق بطلبها من منسقين آخرين أو إدارات مختلفة داخل المستشفيات، مما يعني مرور التقارير على أكثر من شخص ورقم واتس آب حتى وصولها للمريض بدون تشفير وهو خطأ ومخالفة واضحة حتى وإن كان هدفها مساعدة المريض.
في حالات أخرى يتصل زميل على صديقه الطبيب ويسأله عن الحالة المرضية لأحد أقاربه وتفاصيل طبية خاصة دون وجود إذن مسبق consent ويتصل صديق آخر على مساعد طبيب بمستشفى آخر ليأخذ منهم تفاصيل مرضية خاصة بزوجة عمه، وهكذا تسير الأمور ببساطة دون احترام لخصوصية هؤلاء المرضى من قبل الطبيب أو وجود موافقة مسبقة منهم لمشاركة هذه المعلومات.
نعم، بادي الأمر تكون بنية مساعدة الآخرين لكن قد تحدث مشاكل تؤدي للتنمر وقضايا تصل للمحاكم والقطيعة بين الأقارب والأرحام والأصدقاء بسبب التساهل في عدم احترام الخصوصية وتناقل معلومات في الأصل هي خاصة بالمريض ومرتبطة بخصوصيته.
حالات أخرى كنت شاهد عليها في انتهاك خصوصية وسرية المعلومات كقيام بعض الطلاب (المبتعثين) أو الموظفين بنقل تفاصيل مرضية لرئيسه المباشر للحصول على إذن للغياب وهي تفاصيل لا يجب مشاركتها مع أحد لأنها تخص الموظف أو أحد أفراد أسرته، بل الأدهى قيام بعض المشرفين والمدراء بطلب نسخة من التقرير الطبي للتأكد من مصداقية الطالب أو الموظف كما لو كان “مدان حتى تثبت براءته”.
خصوصية المعلومات وسريتها ليست حكرا على الجانب الطبي بل هي حق وواجب يجب على الجميع الالتزام به في جميع بيئات الأعمال المختلفة وكل جوانب الحياة.
مع الأسف؛ نجد في معظم أماكن العمل سهولة وسرعة تناقل معلومات الموظفين وكامل تفاصيل ملفاتهم الوظيفية (الخاصة والسرية) من إجازات خاصة وإنذارات أو استقالة سرية، يتم تناقل هذه المعلومات بين الموظفين دون ضوابط وقيود لحمايتها، فبالنسبة للموظف فإنه يعتقد أن معلوماته ومعاملاته يتم التعامل معها بسرية وخصوصية تفرضها القيم والفطرة الإنسانية السليمة قبل اللوائح والأنظمة. كل هذا قد يؤدي إلي ما يسمي التنمر الوظيفي الذي من تأثيراته السلبية التأثير على سمعة الموظف وعزله وعدم التواصل معه، وقد تصل إلى عزلة تامة وتجنب الآخرين التواصل معه في محيط العمل.
على الوزارات المعنية والمؤسسات وبيئات الأعمال تشريع وفرض أنظمة حازمة وشفافة تضمن احترام الخصوصية وسرية المعلومات وتساعد الموظفين وتحفزهم على الإبلاغ عن أي حالات يتم فيها تجاوز الخصوصية في الأمور الطبية أو الحالات والمعلومات الشخصية والوظيفية لكل ما يخص الموظفين والعاملين.
قد نرى اجتهاد الشركات والهيئات للعمل على سد هذه الثغرة ولكن مع الأسف هناك إغفال للحلقة الأهم ألا وهي إدارة الموارد البشرية وحوكمتها وتطوير الآليات الخاصة بحماية خصوصية وسرية المعلومات، مما جعل هذه الإدارة هي الحلقة الأضعف في هذه المنظمات مما كان له أكبر الأثر لتكون بيئة العمل منفرة ينتشر فيها القيل والقال ونشر الخصوصيات والمعلومات دون أدنى اعتبار لحساسيتها وسريتها. لنحترم أنفسنا باحترام خصوصية الآخرين ووضع التشريعات التي تضمن ذلك في كافة المنظمات المختلفة.
حماية سرية وخصوصية الإنسان كائنا من كان وفي أي مكان هي حق وواجب بقوة الأعراف والأنظمة ولا يمكن التساهل به، وإن غابت التشريعات داخل المنظمات نحتاج إلى فطرة القائد السليمة التي تحمي وتصون الموظف لنرتقي وترتقي مجتمعاتنا الإنسانية.