هواجيس
زيارة تفقدية في العصر العباسي
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عاش فيما مضى في الدولة العباسية، وكانت حقبة جميلة لا ينساها، وكان موكلاً وقتها على بعض البلدات وبعض الأقاليم، يتابع ما يحدث فيها من تطور وبناء، لم تكن لديه مشكلة مع الطرق، فكانت الجمال والخيل وسيلتهم في التنقل. وكلما أفل نجمه دعى بعض الشعراء لأمسية ليكتبوا عنه مدحاً لعله يصل للوالي أو الخليفة ويعلم وقتها أنه ذلك العامل المخلص على ما تم توليته عليه..
كان ساهياً لاهياً .. يعيش في ملذات الحياة.. تطربه كؤوس الهوى.. لديه غلمان تدير الأعمال.. وتخبص كثيرًا فهي لا تتقن ما تعمله.. ولكنهم أذكياء.. كلما ازداد السخط لدى العامة أحضروا شاعرًا وكتب قصيدة، يمجده فيها، ويذكر مآثره.. وهكذا كان التخدير الإعلامي في وقتهم.
حتى أنه يأخذ له موكباً كبيرًا فيه عشرون جملاً وبضعة خيول كل فترة من الزمن ليزور الأنحاء والأقاصي في أقاليمه.. ويأخذ معه نفس الشعراء؛ ليكتبوا، ويعظموا من زيارته التفقدية، وهو في حقيقة الأمر لم يتفقد شيئآ .. لأنه لايوجد شيء يتفقده.. ولكن الشعراء يحرصون على تلميع صورته. إلى درجة أن استقطب بعض الفرس ليرسموا صورته وهو يتفقد ويتابع. وكان يساعدهم خيالهم على رسم صور مجنونة؛ حتى كاد يظن البعض أنه هو من بنى بابل العظيمة.
ووصلت به الأنفة، وظن – كل الظنّ – أنه خالد على هذه الأرض .. واستدعى المتنبي، وأحسن كرمه ووفادته، وقال له: أنت من الشعراء الذي لهم كلمة تنتشر في الأرض من قوة كلماتها ورصانة معانيها. والمتنبي يعرف جيدًا أن هذا المسؤول لا يستحق، ولكنه مجبر على كتابة قصيدة فيه ليرضي غروره فقرر أن يكتب له هذين البيتين:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتـأتـي على قدر الكريم الكرائم
وتكبر في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
فتعجب هذا المسؤول من جمال هذين البيتين، وعاش محلقاً في خياله زاهياً في كبريائه.. وطلب كتابهما وتعليقهما في ديوان العمل لديه ولدى كل العاملين لديه. فكان يظن – كل الظن – أنه بلغ من العظمة الشيء الكبير. ووصل هذان البيتان للخليفة وفهم أمرهما وعرف لما كتبا.. وعزل ذلك العامل على تلك الأقاليم.. وتلك من قصص العصر العباسي التي نرويها للمتعة الأدبية لا أكثر.