خربشة ومغزى
“وحيد القرن والسلحفاة والعنقاء والتنين” .. موروث الصين
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
هنالك حيوانات في موروث الثقافة الصينية ترمز للفأل والخير والحظ السعيد، وتعبر عن رضائهم النفسي وتطلعاتهم. وحيد القرن والسلحفاة والعنقاء والتنين أسماء لها جاذبية وبُشرى عندهم، ولها امتداد عبر القرون. ولمعرفة ثقافة الصين حولها نذكرها باختصار:
وحيد القرن باللغة الصينية يُعرف باسم (تشي لين)، ويرتبط باعتقاد سائد أن وحيد القرن تطور من الغزال أو من فصيلته، والغزال رمزيته أنه هو حيوان الخير الصافي والنوايا الطيبة.
وحيد القرن له قرن واحد، ويؤول ذلك بوجود إمبراطور واحد في البلاد. ومن الاعتقادات القديمة أن ظهور وحيد القرن يعني انتشار الأخلاق في كل مكان، وأنه يطارد الأشرار ، ويجلب الحظ السعيد، واُستخدم وحيد القرن في تشبيه الشخصيات البارزة، بل يُطلق اسمه على الأذكياء من الأولاد. وكثيرا ما تحتوي أزياء كبار الموظفين والمستشارين العسكريين على تطريز وحيد القرن.
أما السلحفاة فهي حيوان حقيقي، تتحلى بالمقدرة على تحمل المسؤولية، وتعيش وقتاً طويلاً، ويمكن أن تتنبأ بالخير والشر. ظهرها مثل قبة السماء وبطنها مستوٍ مثل أديم الأرض، وعينها اليسرى تشبه الشمس، واليمنى تشبه القمر. كما أن حركتها بطيئة وتتراجع خوفاً ولا تتقدم إلى الأمام.
أسرة هان (202 ق.م – 220 م) أثناء حكمها جعلت الأختام التي تستخدم في الدولة عبارة عن سبائك ذهب مصنوعة على شكل السلحفاة، هكذا كانت سايكولجية الصين القديمة؛ إذ يعتبرون التنين والعنقاء ووحيد القرن والسلحفاة هي بمنزلة حيوانات الحظ السعيد، ولها جاذبية لاهتمام الناس من كل حدب وصوب بها، وتحظى بالعبادة والتقديس.
العنقاء هي من ضمن حيوانات البُشرى لدى الصينيين، ويعود أصولها إلى النعامة في العصر الحجري القديم،والعنقاء في الأسطورة هي طائر الشمس وطائر الرقص والغناء. وهي
طوطم (عمود منحوت مزين برسوم) إله الشمس وهي متعددة الألوان والاشكال على مدى الدهر.
بعض القبائل الصينية قديماً اتخذت من الطير طوطما مطرزاً تركوا أثره في مقابر الصين للأسر الحاكمة القديمة كان معظمها لرسوم العنقاء. اعتقادهم في العنقاء إذا حلق في السماء تسود الأرض الأمن والطمأنينة ويعتبرونها رمزاً للخير والأخلاق. شكل العنقاء الأسطوري لها مقدمة طائر يشبه التّم أي الفأس، ومؤخرتها تشبه وحيد القرن الصيني، ورقبتها مثل الثعبان ، وذيلها مثل السمك ، وجسمها مثل السلحفاة ، وعروقها مثل التنين ، وعنقها مثل السنونو ، وفمها يشبه الدجاج، وتمد رقبتها وتهز جناحيها بقوة ، وهي متعددة الأشكال والألوان وهذا كله من ابتداع وخيال الإنسان.، والعنقاء تسمية جامعة ذكراً وأنثى، والأقدمون يعتقدون أن ذكر العنقاء تزوج أنثى التنين وكانت الحُلي عندهم فيها زخارف فيها رسوم التنين في الأعلى والعنقاء في الأسفل.
أما التنين فيعتبر خارقا للعادة في الثقافة الصينية؛ بل اعتبره الأباطرة بمنزلة جسدهم الحقيقي، وعامة الشعب يعتبرونه الإله ، ويظهرون له ذروة الخشوع عند تقديم القرابين له طلباً لهطول الأمطار. والتنين عبر التاريخ أصبح الرمز العظيم للأمة الصينية ؛ بل انتشر التنين في التماثيل والخط والأزياء والحلي. وقد اشتجرت الآراء حول أصل التنين وتكوينه في الثقافة الصينية نذكر منها:
أن أصل التنين إله طبيعي انبثق من خيالات الأجداد الأولين، وقد حصلوا على هذه الخيالات عند ملاحظة الصواعق ووميض البرق؛ لأنهما يتسمان بقوة ساحرة عجيبة في فكر الإنسان البدائي، وتثير إعجابهم. ومن هنا شيدوا هذا الكيان غير الموجود بخيالاتهم بصورة تنين.
وهناك رأى آخر ان التنين أصله تمساح؛ لأن التمساح في اعتقادهم يتمتع بالقدرة على التنبوء بهبوب الرياح وسقوط الأمطار، بل التمساح يصدر صيحة رعدية عادة قبل هطول الأمطار،
ويغط التمساح في سبات شتوي، ويعود الى وعيه في أوائل الربيع. والقدماء الصينيون يعتقدون أن الإله يصعد إلى السماء في الاعتدال الربيعي، ويغوص في أعماق المياه في الاعتدال الخريفي، ومن هنا شبهوا التنين الإله في اعتقادهم بالتمساح.
والرأي الأخير أن التنين أصله طوطم الثعبان، وهو عبارة عن وجه أو رأس إنسان وجسم ثعبان والتنين تطور وتغير انطلاقاً من طوطم الثعبان. ومن هنا جعلوا التنين يشابه طوطم الثعبان
بالقدرة على الاختفاء والظهور وتضخيم جسده وتصغيره وتطويله وتقصيره.
كل هذه الآراء وموروث الثقافة المرتبطة بالحيونات هي من ابتداع الإنسان بعضها لحيوانات حقيقية، وأخرى خرافية تبثها الأساطير القديمة التي ترمز للعقائد والمُثل والسلطة والنفوذ.