خربشة ومغزى
“عناوين” .. إِقْبالٌ بعد غياب
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
“عناوين” اسم صحيفة إلكترونية، رجعت بعد غيابها، وأقبلت لقرائها وفتحت أبوابها، وبهذا العَوْد تراحيب نبثها بقول الشاعر يحيى قصادي:
يتزاحم الترحيب يسبق بعضه
بعضًا، ويأتي بعضه متمهّلًا
متمهلًا يختار أفضل حُلةٍ
يكسو بها الألفاظ حرفًا أجملا
استسمح بتطواف خاطر، مداعبًا دلالة “عناوين” بتذوق المفرده فأقول : “عناوين” هي جمع عُنوانٍ، وتجذر في عنونة ومصدره عَنوَنَ. والعرب تقول: العُنْوانُ؛ما يُستدَلُّ به على اِلاسْم وَالسِمَهُ، ومنهُ أُخَذَ لفظ عُنْوَانَ للسُكْنَا.
أهل التأويل يقولوا الظَّاهِرُ عُنْوَانُ الْبَاطنِ أي دَلِيلُهُ وسِمَتُهُ فمَا قَدَّمَ يُعْتَبَرُ عُنْوَاناً عَلَى كَرَمِهِ. أما عَنَنْتُ الأمر معناه أنك عَرَّضْتُهُ لَهُ وَصَرَفْتُهُ إِلَيْهِ. ومثلها عَنَّ الْكِتَابَ يَعُنُّهُ عَنًّا وَعَنَّنَهُ؛ ڪَعَنْوَنَهُ، وَعَنْوَنْتُهُ وَعَلْوَنْتُهُ كلها بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُعَرِّضُ، وَلَا يُصَرِّحُ قَدْ جَعَلَ ڪَذَا وَكَذَا عُنْوَانًا لِحَاجَتِهِ كقول أحدهم:
وَتَعْرِفُ فِي عُنْوَانِهَا بَعْضَ لَحْنِهَا
وَفِي جَوْفِهَا صَمْعَاءُ تَحْكِي الدَّوَاهِيَا
ويأتي كذلك معنى الْعُنْوَانُ بالْأَثَرُ، ومنه التعبير كُلَّمَا اسْتَدْلَلْتَ بِشَيْءٍ تُظْهِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ عُنْوَانٌ لَهُ، كقول حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا
صحيفة عناوين
عرفتها وألفتها ولي تراكم مقالات فيها، كتابات دبّت في العروق كأنها الهس كصوت خف الإبل، وهي محملة بأثقالها. ولعلّ “عناوين” مجازًا تشبه في فضائها وطموحها قافلة طويلة لها مبتدأ، ولا يُعرف فيها منتهى، وربما ترمُق أُفق في آخرها. وهي في بعض مضامينها تسمع لها قرع كحال دخول وخروج، أو طبل يتّناهى قرعه حذو الجبين.
الصحافة تتنوع وتتفاوت الزخم والجودة، و”عناوين” إحداها تسير كقافلة عمر حيث سنيِها كرواحل تتابع وتتدافع يربط بينها خطام، مثل السنين رباطها الزمن، والسنين منها النافع ومنها الضائع. كذلك تُعرف الرواحل فيها القوي الثمين والمرغوب بالركوب والمتروك الذي لا يحمل ولا يبلغ منتهى الطريق. يا حسرتاه على صحيفة قليلة نفع لقرائها قافلتها منهوبة لم يبق منها إلا ضعيف الدواب والرخيص من الأحمال.
حكاية مضامين الكتابات قد تمسح الريح آثارها ومسارها أو يكون لها أثر مثل؛ القافلة إذا مرّت بالمدينة ينشغل بها الناس لما ينفع من أحمالها، تلك القافلة يُترقب دخولها وخروجها
بل يتحسر عليها الناس إذا ضلت الطريق، هكذا حال من أثرى وأوفى.
الصحافة من الإعلام الذي بعضها مثل صاحب ذميم يبث القلق والإرجاف والتمويه، ليعتلي على الكتف دونما استئذان، وقد لا تقوى على طرده؛ لأنه كمثل سعدان يقفز من كتف إلى كتف أو يتعلق حينا الرقبة؟ فلا هجوع له ولا فجر يتنفس بصبح حيث يبدأ يومه معه، بل يرى من خلاله قعر بئر قاتم حتى إذا أقبل الدجى يراه كوحش ينتظره ليقطع راحة باله. صاحبه محموم بلا حمّى. هكذا صحافة وإعلام يتملئ بسنين كقِرَب جافة أو كغصن سقطت أوراقه فلا تعود. وبالمقابل هنالك صحافة وإعلام ينبري للبحث والموضوعية وردف الحقائق بالواقع، يسعى للحمة الوطن، وبناء وعي يثري وينفع.
عناوين
بطموح صاحبها وشغف من يشارك فيها، وهي كذلك، ترسم علامتها في ما يضيف قيمة ثقافية اجتماعية اقتصادية رياضية ترفيهية وإعلامية ليأتي إنتشاء منها يضئ قناديل في فضاء الوطن الغالي ومكتسباته ولحمته الاجتماعية. فمرحبا ألف بك يا “عناوين”
الله ينفع بكم
والله بحفظكم