خربشة ومغزى
“المؤامرة والمصلحة .. تعريف وتأويل”
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
مؤامرة ومصلحة لفظان لهما دلالات
في التفكير المتداول في عالمنا، بل هنالك تجذُّر عنهما في الأفهام حين الحديث والتحليل فيما يصيب جغرافيتنا وهويتنا. ولكثر ما تجاذب الناس الكلام حول نظرية المؤامرة بين مغالٍ فيها أو ملغياً وجودها. وآخرون يقولون إنه ليس هناك مؤامرة بل هي مصلحة تم التخطيط والعمل لتحقيقها، وبهذا تكون المؤامرة ما هي إلا مصلحة. ورأي هؤلاء أنهم وصفوا من تأمروا إنما أرادو مصلحتهم، وحتى لو كان تآمر إلا وخلفه مصلحة تتنوع مكتسباتها.
التقابل اللفظي
بين مؤامرة ومصلحة يدفع البحث لمعرفة الدلالة اللغوية للكلمتين وكذلك انعكاساتهما على واقع الأحداث وما أُستلهم من التاريخ عبورا بحاضرنا.
مؤامره في اللغة؛ هي اسم وجمعها مؤامرات ومعناها مكيدة وتُفعل كعمل معاد إزاء فرد أو جماعة أو حكم أو بلد تُدبر بتخطيط خفي وسري لأغراض غير شرعية.
أما مصلحة فهي اسم وجمعها مصالح ومَصْلحات ومعناها منفعة وفائده أو ما فيه صلاح حال أو أمر، ولهذا تبين من دلالة اللغة أن ليس هناك تطابق لمعنى مؤامرة مع مصلحة. وعليه يكون استخدام المصلحة عند البعض كبديل لفظي للمؤامرة غير دقيق ولا يحيط دلالة وتأويل لغوي مناسب.
وقد يبدو عند البعض أن التفكير الذي يُغلّب استخدام اسم المصلحة هو للتخلص من آفة تعليق سبب التدهور والأزمات على شماعة التآمر وحدها، وقد يكون هذا هروب من المسؤولية في تحمل الانهزام.
أما مستخدمو اصطلاح المؤامرة فهم يعتقدون أنها أزلية في البشر تدفعها غريزة الإبقاء على التفوق الحضاري والاقتصادي والجغرافي وامتداد الهيمنة إلى أمد بعيد، بل قد يصاحب المتآمر أحيانا رغبة العلو العرقي الإثني، والتأويل الديني والأيدلوجي. وبهذا التشبيه يكون المتآمر لا يعترف بندية سياسية له في امتلاك قرار الآخرين.
والمتأمل لطبيعة المتآمرين يرى أن كل هذه الدوافع المذكورة وغيرها هي من تُغذي طموح المتأمرين.
الاستخلاص في جدل اللفظين
إن من اراد دقة التعبير المهني والمقصود اللغوي يتطلب منه الدراية والشمولية بمعرفة تمايز دلالات الكلام لان كلا اللفظين المصلحه والمؤامره يصح استخدامها ضمن مفهوم منضبط دون تحميل مُبالغ فيه.
وأرجح التأويل أن المؤامرة هي فعل يسبق تحقيق المصلحة وطبيعتها سلبية سواء في المنبت أو الأثر، بينما المصلحة دافعها الغريزي هو تحقيق مكاسب وأحيانا مشاركة تلك المكاسب مع الغير دونما نوايا سيئة أو هيمنة. ولهذا من يُراد له المؤامرة حيث تحصل في عالمنا اليوم فهو مسؤول عن دفعها، وكذلك مطلوب منه ان لا يفتح الثغور ليتسلل منها المتآمرون، ويبادر مسؤولية في التخطيط والتدبير لأسباب القوة حتى يُحصن هويته ومكتسباته وتراثه. ويكون حاله لمن أراد المصلحة معه هو التبادل والتشارك وهذا واقع يفعله البشر في مناحي الحياة.
اللاوعي عند الانسان
أحيانا يتشرب لَبْس أو مغالاة في فهم مصطلح المؤامرة وأبعادها وواقعها قد تنشئه البيئة التي تربى بها وما تراكم عنده ثقافيا وتاريخيا. ولا غرو أن تجد في ترسبات اللاوعي أن المؤامرة تبدو أكثر نظارة في الإدراك والتأويل لتخطف شمولية النظر عنده، سيما إذا صاحبها تجييش شيطنة تتجاوز أحيانا زخم جاذبية التحليل المنطقي.
أهل التآمر
ومن لهم مصالح بطوية سيئة يهمه تهزيم الغير وخلخلة الثقة في إمكاناتهم، وبذر نبتة الحيرة في التفكير وزعزعه لحمة المجتمعات في خياراتها. تلك الحاله غاية مقصودة تتيح لأساليب المتربص أثر ونفوذ وبلوغ المراد أنه أقوى ويملك زمام الأمور. حتى يرسم المشهد بالانشغال به أي المتآمر دونما التركيز على البناء الداخلي للمجتمعات وتنميتها وتحصينها.
سنة التدافع الأزلي
لقيم الشر والخير تبقى في حيَاة البشر ولا تنتهي، وناموس الخواتيم هو مع الحق أينما توفر وتم السعي له.
الأكاذيب
في تغليف المؤامرات وكيدها، لها مخزونٌّ لا متناهٍ، والخونة لأهل التآمر تراهم حينا يرتدون الشعارات مع افخر الثياب، ويذرعون ردهات أهل النفوذ، ومن يملكون الأموال ليخدموا أغراضهم، وهم يتكاثرون كالفُطْر، وهم يطفون على السطح فيما يقولون ويفعلون ويحبسون الحقيقة في الأعماق، ولكن ظلمهم لا يدوم بل يسقطون بخديعتهم سافلين.
أصحاب المؤامرة
والخونة معهم يخططوا مصالحهم بميكافيلية في تبرر غاياتهم بتنوع أساليب ومراهنة على الزمن حتى وإن امتهنوا التدليس وذر الرماد في العيون لايهام من حولهم دونما حياء لصناعتهم الكذب. تركيبتهم النفسية تدفعك للقول عنهم :
لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، كحال الحجر الصلب الذي لا ينقطع أو العود الذي لا ينحني.
بينما أهل الصدق لا يبالون بل يقولوا:
ومـا من كـربة إلا ستُـجـلیٰ
كما يُجلی عن الأفُـقِ الغبـارُ
ويعقُبُ عسرَهَا يُسرٌ لطيـفٌ
ويُشرق من هزيمتها انتصـارُ
ختاما
لا تكن أرضاً للمتآمرين والخونة يداس عليها، بل كُـن سماء يحلق الجميع الوصول إليها.
ومن خادع وتآمر مثل ذئب يبكي تحت أقدام الراعي. والواعي يفخر بأمته وبلده ومكتسباته ويحصن نفسه تجاه كل كيد وتسلط إعلامي خصوصا فيما يدور حول مملكتنا الأبِيَّة، ويصدح بالدعاء احفظ اللهم الوطن واهله وولاته وأعلي كلمة الصادقين الخيرين في كل مكان.