خربشة ومغزى
“سَلَقُوكُم بِأَلسنَةٍ حِدَادٍ .. تأمل ومعنى”
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
سَلَقُوكُم بِأَلسنَةٍ حِدَادٍ
عبارة لها فصيح دلالة وغزير معنى لمن تأملها، واحتذى مقارباتها وانعكاساتها لأفعال وأقوال بعض المتسلطين على وطننا ومنهم من حمل عداوة أصلية ، أو تواطئ مصلحي وتحالف كيدي.
تلك الألسنة لها بواعث ومحرضات، قد يحمل بعض أصحابها جزءا أو كُلّ التوصيفات التالية:
التراكم التراثي الأيدلوجي، عصبية الاستئثار العرقي، طموح الغلبة والنفوذ، تقمص مفهوم الوصاية والمرجعية التاريخية، الذيلية لخدمة الغير، وَهَم التعالي على الآخر، تلمظ الزعامة ورمزية التعملق.
لا غرو أن آفات سلق اللسان أحيانا تنمو كالفطر في مناخات غياب منظومة الردع حينما يتوافق مع مطابخ الأشرار من سلالات المستعمرين والمتربصين الذين يتبارون على نخر أمن وسلامة الأوطان.
ولتبيان دلالة السلق
ومصدر كلمة سلق فهي تشير إلى شدة الصوت أو ذاك الذي يصيح جهرا، لذا قيل خطيب مسلق. ومنها سلقه بلسانه يسلقه سلقا أي أسمعه ما يكره وهو يُكثر من ذلك. أما سلقه بالكلام سلقا إذا آذاه وهو شدة القول باللسان والمبالغة في الخصومة. ولهذا أهل السلق تجد طِبَاعَهُم أشحة في الضمائر لا يبالون بأذى الآخرين.
ومعنى سلقوكم بألسنة حِداد آذوكم بالكلام في الأمر وبألسنة سليطة قاطعة كالحديد، وبعضهم عنده تموه الألسنة بالذرب والذلق. والمتأمل لأصحاب ألسَنَة حِداد لا يخال أن يشبه أحدهم كبعض النساء أو بعض الرجال الذين لا يستشعرون حولهم حين يُطلق لسانهم.
أيامنا هذه
أدركنا نظرة أصحاب اللسان السَلَق على وطننا، وكأنهم في خصومتهم يخبؤون دفين استشفاء واستقصاء ليروا انكسارا أو إحراجا مشينا. فلا تخطئ الظن إذا قلت فيهم ما هي إلا رغبة في انتصار لإنانيتهم وسوء طويتهم. وكأن لسان الحال في وصفهم كقول الشاعر:
إنْ ناحَ حرفي ذا فؤادي صارخٌ
في نبضهِ قد أُحكِمَتْ أطواقُ
بعض أصحاب ألسَنَة حِداد
ممن ينتسبون للوطن قد تجاوزوا أدوات النقد والإصلاح، والحكمة في الاعتراض والنصح، حتى ترى شنائع أقوالهم وأفعالهم واصطفافهم مع المتربصين لتدرك حينها ضعف رباطهم وانتمائهم، وغياب الوفاء لما تعلموا وتنعموا به، بل يتغافلون ما نمى عندهم من تحصيل وتدبير حتى كبروا واستقووا.
أصحاب السلق في بعض البلاد الأخرى يفوتهم أن يثمنوا مشتركات التاريخ والجغرافية ويتناسوا فضائل الأعمال،وطيب الصلات التي أرشفتها الأيام والحوادث معهم. وهذا ليس تعميما أو استهدافا لأحد إنما هو واقع حال مسموع ومقروء ومشاهد للتسلط والنكران، ومثل هذا الردح يطويه الزمان وتُذيبه حكمة الصبر وعِبر التاريخ. لأن من ينشد بناء الحاضر واستشراف المستقبل يترفع عن الضغينة أو ندوب الذاكرة التي طالما تثقل بركامها وآلامها الظهر، ولا مكان للكبار في آثام الأنا والتعصب والثأر.
حاملو ألسَنَة حِداد
في بعض منابرهم وهيئاتهم لا يفرحون للمسّرات والإنجازات، ويُسيرون إعلامهم وخطابهم بدس وتدليس تطال الراعي والرعية، والتاريخ والأحداث، والتخوين والإسفاف، وزرع الكيدية، وهذا وافر لا يفتأ ليل نهار حتى هنالك من يتطاول نشازا في تدويل الحج اشتهاء وانتقاء، وهم يعلمون أنهم لم يبلغوا إخلاص وتفاني بلاد الحرمين الذي يعرفه القاصي والداني.
هنالك من أصحاب ألسَنَة حِداد
من لم يُثمن دور المملكة في الجهد والسعي الخفي والجلي للنصره والتقريب دونما منّة أو إعلان، تؤثر خدمة الأمة وتعزيز التوافق والمنعة وهذا معروف للعاقل والمنصف ذو الدراية وهو يقول:
وعينُ البُغض تبرزُ كلَّ عيبٍ
وعينُ الحبَّ لا تَجِد العيوبا
المراقب
لما يجري من أزمات يدرك فعلُ حِداد الألسن حين يملأون عدوا صريح العداوة، وكأنهم ذئاب ينهشون، دونما خجل أو مبالاة حينما يضعون قوتهم ونفوذهم رئة يتنفس منها ساسة الأعداء إذا اختنقوا.
ومَا أهون الآلامَ لَو كَانَ سِرُّها يُباح
ولَكِن أحمل الوَجدَ والصَّبرا
هنالك
بعض خلط قد يرد عند بعض اتباع ألسَنَة حِداد وهو مفهوم الانتماء والولاء للوطن ولحمتة مع الولاء المعنوي والوجداني لشعوب الأمة ومشتركاتها وخيريتها.
وطني إذا ما شان فضلك شائن
فأنا الغيور وعزة الاسلام
وطني العزيز وفيك كل صبابتي
وتدلّهي وتولّهي وهيامي
وطني العزيز وعنك خلت محدّثي
أنحى على سمعي ببنت الجام
وطني العزيز وإن ألّم بك الأسى
قامت بقلبي سائر الآلام
أصحاب ألسَنَة حِداد
أحيانا يعيشون وهَمْ العظمة ويختزلون التاريخ والأنداد ونواميس التغيير ثم ينكفؤن ويهادنون من أسْتعدوا من الأقوياء دونما خجل لما قالوا أو نقض ما وعدوا.
ترصد بعض أفعالهم وكأنهم يُفصلّوا حقوق الإنسان أثوابا على مقاسهم يصنفون وينتقدون، ويتذرعون بأدلجة مفاهيم حقوق الإنسان ، والعدالة والحرية فلا ضير عند بعضهم ومن يملك القوة فيهم، أن يدينوا من يريدون وينسوا ما يفعلون أو يهادنون. تلك ازدواجية معايير وسوء الطوية حيث يُحار العاقل هذا الصنيع والغيلة حتى يتخيلهم كأنهم عناكب لا تنسج أبدا بيوتها داخل مكان فيه حياة، أو طيور خطاف لا تبني أعشاشها في سقوف دورعامرة وقلوبهم تردح صدى هذا الشعر :
ويأبَى الّذي في القلبِ إلاَّ تَبَيُّنًا
وكلُّ إناءٍ بالذي فِيهِ يَنضحُ
السائل يسأل
لمن يحملون ألسَنَة حِداد لِمَ كل هذه الأفعال على بلاد الحرمين وما الهدف من التأليب والتأزيم. أيرتضون الضعف والهوان حتى يستقوي المتربصين، أيُمتعهم الحجر الذي يهشم البيوت ويفزع الأمنيين ويُلبس الفتن. على ماذا هم قاصدون وحالمون، ألا يتأملون أن رمي الحجر قد يطال بيوتهم الزجاجية فتنكسر بحجر يأتيها لظلم صنعوه.
التاريخ لا يرحم ولا يُنسى
والظلم فيه مرتعة يزيغ فيها من عمى بصره وبصيرته ، وهنالك من نتمنى أن تدركة يقضه ضمير تفضي به إلى الندم.حتى يصلح حاله ومقاله وانتماءه، ولا يأخذه سوء ختام وحساب الدَّيَّان.
أحسن الردّ
لأهل السنة حِداد شرقيهم وغربيهم، عربيهم وإعجميهم، هو الالتفاف وتعضيد اللحمة داخل الوطن، والنمو والنهضة، والعلم والإبداع، والقوة والإعداد، والسلم والأمان، والقيم والمبادئ الانسانية، ومحاذاة الأقران والأنداد لنفع البشر. وفهم التوازنات والأولويات، وتحييد الأعداء والبعد عن الاستعداء.
مثل هذه البوصلة هي الباقية لأن الكذب وان كان أكثر نظارة لا يدوم مع الحقيقة وأثرها مع الزمن.
ختاما
العاقل يتمنى نضج يتأتى لمن هم ألسَنَة حِداد ليغلقوا الشرخ ويُخرسوا الكائد ويلئموا جرح الأمة؛ لأن وحدتها واتفاق مصيرها هو ناموس النهوض والفلاح. ولا بد يوماً أن نرى وجه الهلال استدار، ويُفتحُ باب في الظلامِ شِهابُ، بل وستورِقُ أشجار الوفاء وترتمي القشورٌ.
اللهم احفظ الوطن وأهله وولاته وأصلح حال الأمة العربية والإسلامية، ولا تجعل كيدها في داخلها، وأنعم بالسلام على العالم أجمع.