آراء وأفكار
أغنية السفر!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
قلنا سنقطع المسافات الطويلة، سنرحل حيث مزارع التفاح والعنب، سنوقد السراج هناك، سنداوي العمر بعد أن أتعبنا الغياب الطويل، مع دواة الحبر سنكتب قصائد الضنا، لنريح أنفسنا من آلام العناء، سنكتب ونمحو، ونمحو ونكتب، سنرسم لظلنا الرقيق مساند من خشب حتى لا يقع، سنمشي بمحاذاة الطريق نحو الحي الصغير الذي كان.
سنغرق في لغة الذاكرة، واسترجاع الماضي العتيد، سنبحث عن الدروب، والتواءات الطريق، والنافذة العتيقة، والغرفة المطلية بألوان متنافرة، وعن موقد النار في الشتاءات الباردة، سننبش الصور، ونوقظ رائحة القدم، سنصعد مع الذكريات كبخار الفجر، سنعيد لأسماعنا المواويل العتيقة، سننتشي عطر (أبو عصفورين)، ونبحث عن زير الماء، وعن مخدة القش، وعن لحاف القطن، والشرشف الرقيق، و(الدوشق) الأنيق، و(المهفة)، والحصير، سنحلق طويلا حتى تصبح أجسادنا مثل عصفور صغير، سنظل ننحدر من تل، لسهل، لطريق، سنقتحم الأسوار، ونمنح لأنفسنا أحقية الدفاع، وصلاحيتنا في هذا الشأن مطلقة.
سنبحث بحذر عن عشبة وقمر، وسنخفق بأجنحتنا لأسراب الطيور التي تمر بمحاذاتنا، سنضفر جدائل الضجر بقصائد من حنين، سنحاول أن نقتنص لحظة مارقة لنوقد القناديل في الحجرة المظلمة التي انطفأت أنوارها، فليس عدلا أن نتسامر من غير قنديل، سنقطف وردة، وننام حتى الصبح، لنشرب حينها فنجان قهوة كي نفيق ونطرد الوسن، هو العمر سار سريعا مثل طائرة نفاذة، أو لحظة عابرة، من ربيع، لشتاء، لخريف، وما بقي من شيء سوى حكمة بالغة، واعتكاف لله، فالصوت تكسر، والقدم ما عادت قدم، والمسارات صارت بعيدة، لم تعد الريح تغر، ولا الآفاق، ولا الحديقة المقابلة، صار الموت يتقدم إلى السرير بوجل، هو الحبيب المصطفى قبلنا قد رحل.