الرأي
طائر الكوكو “1”.. أزمة رأس المال البشري السعودي
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
قيادات الخليج وشبابها
إن طبيعة علاقة المجتمعات الخليجية بقياداتها من ملوك وشيوخ وأمراء علاقة يعجز الآخرون عن فهمها أو استيعابها، فالقيادات الخليجية دون استثناء تؤمن بشبابها وأنه قادر ويستطيع ويستحق، ما يجعلها تبذل الغالي والنفيس لأجلهم وليس أجمل من استحضار ما قاله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “أتطلع إلى المستقبل بتفاؤل … مستقبل يصنعه شباب المملكة”، فرؤية 2030 هي للسعودي أولا والسعودي معطاء ولن يبخل على من حوله ولكن الله قال في محكم آياته ” رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ”، وكذلك الحال في بقية دول الخليج، لذا على جميع المعنيين العمل على هذا الأساس وأن تكون رؤية القيادات هي المحرك لهم على أرض الواقع وإياهم أن يقعوا في فخ القدح في هؤلاء الشباب مهما بلغ بهم الأمر لما له من تبعات سلبية على بناة الحاضر والمستقبل ومن وجهة نظري أن القدح فيهم هو خيانة وأي مسؤول أو مواطن أو مقيم أو منظمة محلية أو دولية يجب أن يجرموا في حال قدحوا أو شوهوا سمعة مخرجات التعليم الخليجي أو قالو بعدم ملائمتهم لسوق العمل.
اللهم ارزقني وارزق مني..
دعاء يردده أهل الخليج دائما للدلالة على أن هناك متسع للجميع في كل شيء ومنها الرزق، لم يفرق الخليجيون في يوم من الأيام بين مواطن ومقيم ولم يكن هناك ما يستدعي لوجود تنافسية نظرا لعوامل عدة أهمها قلة عدد أبناء الخليج وعدم تقاطع المصالح مع المقيمين على أرضها، هؤلاء المقيمون اضطروا لشد الرحال خارج دولهم بحثا عن الرزق والوظائف التي عجزت حكوماتهم عن توفيرها لهم فجاؤوا إلى الخليج ليجدوا العمل والرعاية الصحية والتعليم والخدمات التي توفرت لهم بالمجان وبجودة عالية مقارنة مع ما يوجد في دولهم، وهنا أتذكر إحدى المقيمات التي توفى عنها زوجها ورفضت العودة إلى وطنها لحين انتهاء أبنائها من الثانوية العامة لسبب بسيط أن التعليم في السعودية رائع والرعاية الصحية ممتازة وكلها بالمجان.
مع مرور الوقت تسارع نمو المجتمعات الخليجية بنسبة شباب كبيرة جدا قابلها تغير في المنظومة الاقتصادية وآليات التوظيف التي جعلت خيارهم هو القطاع الخاص ليصدموا بوجود تكتل يصعب عليهم مواجهته وحيدين دون أنظمة وتشريعات قوية تدعمهم، تكتل التاجر والمقيم الذي جاء هاربا من واقع دولته المترهل ليجد الراحة والرزق وتنمية المهارات التي تجعله لاحقا مرغوبا به في دول العالم المتقدم، ومع كل مشروع خليجي يكون شعاره توفير وظائف للشباب الخليجي يرتفع سقف الأمل عاليا لحل مشكلة بطالة بضع ملايين من أصحاب الأرض لتتحطم تلك الآمال مع زيادة تغلغل وانتشار المقيمين والوافدين في تلك المشاريع، ليُستقبل أي مشروع بعدها بشيء من التوجس والحذر من رفع سقف التوقعات، حيث أصبح سكان بعض الدول شركاء استراتيجيين ومتابعين نهمين لأي مشروع خليجي ليحجزوا مقاعد لخريجيهم الجدد لإرسالهم للعمل في الخارج في هذه المشاريع دون أن تكلف تلك الحكومات نفسها عناء خلق فرص وظيفية لديها أو إجراء أي إصلاحات، وبهذا تضرب عصفورين بحجر واحد تماما كطائر الوقواق أو الكوكو.
سبحان الله الذي ضرب لنا في كل شيء مثلا وعلمنا ما لم نكن نعلم من كل ما يحيط بنا بني البشر من شجر وحيوان وطير وحجر، ولعل طائر الكوكو أو ما يسمى بالوقواق كان معلما رائعا لبني البشر، فقد عُرف عن هذا الطائر أنه لا يهتم برعاية صغاره، فها هو يضع بيضه في عش طائر آخر ويتركه يفقس ليتولى الطائر الآخر رعايته، وحتى يكتمل استغلاله فإن بيض هذا الطائر يأخذ لون بقية البيض في العش ويختار الطائر الأعشاش المظلمة حتى لا يلاحظ الطائر المُستغفل اختلاف حجم البيض، وتكوين بيضة الوقواق عادة ما يكتمل بسرعة كبيرة فيكون أول ما يفقس من البيض، ويأخذ فرخ الوقواق الحديث الفقس في التنقل داخل العش؛ حتى يتلامس الجزء الغائر الموجود في ظهره مع بيضة أخرى أو فرخ صغير، وعندئذ يتسلق الوقواق جوانب العش برجليه القويتين، ويقذف بالبيض والأفراخ الأخرى إلى خارج العش. ويظل فرخ طائر الوقواق يكرر هذه الحركة؛ حتى يخلي العش تماماً من سائر البيض والأفراخ الأخرى، ويبقى فرخ الوقواق وحده ليتلقى كل الغذاء الذي يجلبه أبواه البديلان، فيرتاح أبواه الأصليان من التربية والعناء ويكبر الابن مدللا منتفعا بكل المكاسب وحده بعد أن تخلص من سكان العش الأصليين.
استراتيجية الكوكو
كان شهر يناير 2021 حافلا بأخبار ومقالات وتغريدات لافتة للانتباه ذكرتني باستراتيجية طائر “الكوكو”، جميعها متناغمة فيما بينها وتدور في ساقية واحدة ألا وهي تمكين شباب دول المشرق العربي التي حددها البنك الدولي بدول “الأردن وسوريا ولبنان والعراق” وتدخل معها دولة مصر، هذا التمكين له مقومات أولها هو أن مخرجات التعليم وسوق العمل في السعودية ودول الخليج العربي دون المستوى لدرجة أن الشركات الأجنبية المستثمرة فيها ترفض هذه المخرجات ولا توظفها والبديل هو مخرجات دول المشرق العربي، فها هي صحيفة Financial Times تنشر مقالا بعنوان “السعودية تحاول استدراج الشركات متعددة الجنسيات من دبي” بواسطة كل من” Andrew England و Simeon Kerr” بتاريخ 10 يناير 2021، والمقال بمجمله استند على تسريبات لمصادر عبارة عن “مستشارين أجانب يعملون بمشاريع متنوعة في السعودية يقدمون المشورة للحكومة والمديرين التنفيذيين واستمعوا إلى العرض التقديمي” ، واختار الكاتبان عنوانا مثيرا للجدل ومنفرا، وأهم فقرة تلك التي تحمل فتيل إثارة سخط وحنق السعوديين وهي عبارة عن تسريب لأحد المستشارين عن كم التنازلات التي سوف تقدمها الحكومة السعودية كما وردت على لسان المستشارين حيث ذكر المقال التالي: “قال ثلاثة مستشارين إن الحوافز المعروضة تشمل إعفاء ضريبيًا لمدة 50 عامًا، والتنازل عن حصص توظيف السعوديين – والتي ثبت أنها عبء على الشركات – وضمانات الحماية ضد اللوائح المستقبلية”، لتقوم مراسلة بلومبيرغ في السعودية السيدة Vivian Nereim باقتباس هذه الجزئية والتغريد بها من حسابها في تويتر بذكاء لتحصد 166 رد من مغردين مكنتها من قياس رد الفعل لخبر ورد في مقال جميع مصادره مستشارين أجانب في مشاريع سعودية لم تذكر أسماؤهم ولا أماكن عملهم.
إن هذا الطرح يحمل مؤشرات خطيرة ومقلقة في تناول الإعلام الغربي لرأس المال البشري السعودي والنظر له كعبء وثقل وأنه معيق للاستثمار في السعودية وهذا لم يأت من فراغ بل جاء عن طريق صحافيين أجانب عملوا في دول خليجية وتعرفوا إلى أخطر مشكلة تواجهها الحكومات في دول الخليج ألا وهي وجود شباب معطل لديه قدرات ولكنه حرم الفرص لأسباب عدة تارة بيد بعض مسؤولي تلك الدول وتارة بفعل فاعل ينفذ استراتيجية “الكوكو” وتارة بيد تجار منتفعين لا هم لهم سوى جمع المال، ليدرك هؤلاء أن الشباب المعطلين هم فتيل أزمات مستقبلية يمكن الدخول من خلالها لزعزعة أمن العقد الخليجي بأيدي شبابها.
….. يتبع
مقال يلامس الواقع، وحقيقة ان مسؤول بليه الآخر جلهم يثبتون صورة نمطية وسياسة ثابته في القدح في السعوديين وانتاجهم وتضييع حقوقهم المقدرة لهم، من “ماني مهتم بالسعودة” الى التمييز الصارخ في توظيف الاجانب عن السعوديين..
كل هذا الأفعال والسياسات لها نتائجها والتي ننتظرها بشوق فهي املا في تغيير مالانستطيع تغييره في هكذا منظومه وبيئة فاسده.