خربشة ومغزى
علم اللغة عند العرب.. مناسبة الاحتفاء الأممي باللغة العربية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
اللغة العربية علم جليل لا تنطفئ جذوته، وهي تُمثل أحد ركائز التنوع الثقافي البشري، ولا غرو أن الاحتفاء الأممي بيومها العالمي هذا الشهر دلالة تقدير واعتبار لموروثها وأثرها العابر للأزمان والجغرافيا والبشر. وبهذه المناسبة نطرح مقالا مختصرا لعلم اللغة عند العرب كالتالي:
علم اللغة
أو ما يُعبر عنه بالإنكليزيّة Linguistics هو دراسة اللغة الإنسانية ومحاولة اكتشاف خواص تلك اللغة أو اللغات عموما وعلم اللغة يضم الجوانب التالية :
علم الصوتيات بدراسة النطق وكيفيته، وعلم الصرف وذلك بدراسة الكلمات وتكوينها وتركيبها، والنحو بدراسة تركيب الجمل والقواعد التي تحكم هذه التراكيب والدلالة التي فيها معاني الكلمات.
علم اللغة عند العرب
بدأ بدلالات ألفاظ القرآن صدر الإسلام بُغيه فهم النص القراني، وكانت المشافهة والمساءلة أدوات التواصل لمباحث علم اللغة، تبعها طور التأليف الذي تمركز في البصره في العراق وخُلِّد فيها.
برز الخليل بن أحمد الفراهيدي، المتُوفّى في البصرة عام 170هـ، بوضع باكورة علم الصوتيات العربية في كتابة القيم العين وهو معجم، توالت بعده عدة معاجم مثل كتاب “البارع” لمؤلفه القاليّ، و “تهذيب اللغة” للأزهري، و “المحيط في اللغة” لابن عباد، وهذه كانت مابين القرن الثالث والخامس هجري. ثم تنوعت المؤلفات التي تخدم علم اللغة كمثل كتاب “النبات” لأبي زيد الأنصاري المتُوفّى عام 215هـ؛ حيث بسط فيه الأوصاف الدلالية للنباتات ومعانيها، ثم الأصمعي المتُوفّى عام 216هـ في كتابه “خلق الإنسان” وكتابه الآخر “النخل والكرم”.
ومن المؤلفات
في دراسات الأسرار اللغوية التفصيلية برز لغويون كأمثال سيبويه المتُوفّى عام 180هـ وكتابه في قواعد النحو. والسيوطي المتُوفّى عام 911هـ في كتابه “المزهر علوم اللغة وأنواعها” الذي تناول أصل اللغة ونشأتها ،وكذلك ظاهرة الترادف أي المعنى المتعدد للفظ والتي منها مثلا:
لفظة العين تطلق على العين الجارحة والبئر والشئ النفيس. ولهذا مرادفات الدلالات في اللغة العربية وافرة وفيها سمو الفصاحة.
الموروث في علم اللغة
الذي بلغ الاهتمام فيه والتآليف في العصور الأولى ذروتها، جذّر التوثيق وحملته المعاجم والقواميس ليمتد الى تالي الأزمان. وبهذا تربعت اللغة العربية على رقعة جغرافية واسعة منطوقة وفاعلة.
ولا غرابة أن تجد الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري أحد أساطين الأدب في العصر العباسي،المتُوفّى في البصرة عام 868م أن يصف لغة العرب في كتاب البيان والتبيين قال: “إنّه ليس في الأرض كلام هو أمتع، ولا آنق، ولا ألذّ في الأسماع، ولا أشدّ اتّصالاً للعقول السليمة، من طول استماع حديث الأعراب العُقَلاء الفُصَحاء والعُلَماء البُلَغاء. والفصاحة صفة مهمّة عند العرب، وهي ذات وجهين: عضويّ يتمثّل في طلاقة اللسان، ووضوح النُّطق عند المتكلّم، وتواصليّ يتحقّق في البيان، والفهم بين المتكلّم والمُستمِع”.
رأي الباحثون
أن بدو الجزيرة العربية هم الحفظة الأصليون للغة العربية الأصلية قبل أن تتبلبل ألسنتهم، وذلك لأن البدو العرب حافظوا على استقلالهم داخل صحرائهم المترامية الأطراف لم يصل إليهم محتل أو غازٍ ولم يختلطوا بأحد لذا دامت لغتهم نقية. ولهذا كانت العرب فيما مضى ترسل أبناءها إلى البادية ليتعودوا الفصاحة وسلامة النطق بمخالطة أهلها. وبالطبع ليس المُراد بهذا المعنى استثناء حاضرة العرب في الجزيرة العربية ومن نزحوا منها أو المستعربين الذي أتقنوا العربية واحترفوها.
المستشرقون ولغة العرب
كثرت كتاباتهم عن اللغة العربية وتاريخها وعلاقاتها باللغات السامية نذكر منهم الأمريكي أولمستد المتُوفّى عام 1903م يقول: “إن البدو العرب كانوا أول من تكلم اللغة السامية على حقيقتها”، وسانده المستعرب الإنكليزي فيلبي المتُوفى عام 1960م بعدما قام بدراسات مستفيضة لأحوال جزيرة العرب فيقول:
“إن اللغة العربية التي يعترف الخبراء في كونها أقرب من جميع اللغات السامية إلى اللغة الأم الأصلية التي اشتقت منها جميع هذه اللغات هي على أغلب الاحتمالات أقدم لغة في العالم ما زالت حية حتى يومنا هذا”.
أما تطور اللغة
فهو طبيعي يضيفه ما يتعامل به الناس بينهم باختلاف لغاتهم، أو ما يتم من تفاعل بين الشعوب في تحول العصور؛ لذا دخل المستعرب من الألفاظ على اللغة العربية. وهذا يحتاج امتداد لا يتوقف مع الزمن للمواكبة ومحاذاة مستجدات العلوم التقنية والإنسانية تيسيرا للتعلم والتثاقف.
بل مع الزمن لابد من المزاوجة بين الأصالة والتجديد؛ إذا تم توظيف المراجع اللغوية القديمة مع ما جاء في العلم الحديث الذي أضاف تجديدا لألفاظ ودلالات تُنهض طرائق التواصل بين أهل اللسان الواحد.