خربشة ومغزى
” الكاتب والمُتكلم .. مُحَاكاة معهما “
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
حديث جمعني
مع أحد الفضلاء تجاذبنا فيه بعض ما يُكتب في منصات التواصل الاجتماعي، وأحيانا الصحافة أو بعض ما يُنشر من كُتب أو ما تحمله مقاطع مرئية وهي تتحدث عن موروثنا العربي والإسلامي، ورغم أن الموضوع واسع وإشباعه يحتاج تفصيل وعلمية تحليل ، إلا أنه تم تخصيص الكلام عن بعض الكتابات أو المقاطع التي تخلو من عمق ثقافي وتأهيل أكاديمي، أو التي لها جرأة على نقد وجدل يفتقد سعة اطلاع وفقر تأصيل في التعرض لجوانب من الموروث الثقافي والديني أو تحميله آفات التقهقر الحالي .
هذا الحديث دفع لتأمل وتعليل بعض مؤثرات وأسباب التي ممكن تؤثر على الكاتب أو المتكلم ممن يخوضون دون تمكن وهي كالتالي :
– عدم حيازة اطلاع معرفي فيه تنوع بحثي عند الكاتب والمتكلم في مواضيع وعناونين تخص الموروث، ومن المؤكد أن سعة الاطلاع وتنوع التحصيل له تحد كبير لقدرة هؤلاء الكتاب والمتكلمين، وهذا يتضح في امكانيتهم لاستلال النصوص والدلائل وتحليلها ونقدها خلال ما يُكتب ويطرح.
– هنالك ممن يكتب أو يتكلم قد يصطبغ في تكوينه البيئي الفكري ومناخ المؤثرات التي تحيطه به ، وهذا تجده كخيط في مسار ومنطلقات ما يكتب أو يتكلم به، بل قد تظهر في ميله وما ينشده من أفكار .
– يقع الكاتب والمتكلم – أحيانا – في تجاذب سطوة الأحكام المسبقة، التي توجه بوصلة التفكير عنده، والتي يصعب الانفكاك منها ومن نمطيتها حتى لو حاول أن يكون مستقلا فيما يسطر في قلمه أو حديثه.
وقد يُوفِّق في مرات حينما يظهر جزئيات حديث فيها موضوعيته، ومرات أخرى تلفه ترسبات أوهام مدفونة في عقله الباطن، وكل هذا مثلم خفي يحتاج تبصر وخلوة مراجعة.
– قلة النضج لمفهوم النقد البناء وإطاره ومضامين أدواته، وهي بالطبع تحتاج إلى تأن وتجرد عند الكاتب أو المتكلم إذا أراد الدخول في حلبة النقد البناء، والتي هدفها كسبْ قناعة القارئ أو السامع.
النقد النافع يحتاج إلى حيادية تصور ونية صادقة وحرفية ممارسة قلما تتوفر بسهولة.
– قلة الدراية في فهم الموروث والعصرنة والخلط فيهما، وتبويب المصطلحات المتصلة بهما وأثرهما الذهني. وهذا يحتاج إلى ثراء معرفي ، ونضج في التمييز ما بين أن تكون أسير الماضي، أو منفتح لآفاق واستشراف المستقبل. دونما تقزيم هوية هي فخر متوارث، أو تحرر لا حدود لضوابطه. ولهذا الإلمام أهمية حتى يستقيم فيه العطاء والانتماء، ولا يقع في فخ التذبذب بين الموروث والعصرنة كحال خبز يلعن عجينه. فذاك ابتلاء يصيب أُحادي النظر .
– الخضوع للتكوين السيكولوجي عند الكاتب والمتكلم، وفيها حلمه وحنقه وما يحب ويكره. وهذه مؤثرات تظهر في نسق كتابته وأقواله، حيث تظهر في تراكيب الألفاظ والجُمل وحتى استنتاجاته.
الكاتب والمتكلم إذا تغلب عليه الأثر السيكولوجي ، يجد صعوبة توازن العقل والعاطفة. وبالمثل يتعثر في بناء خزين لفظي ممكن أن يقلل من آفات الوقوع في عنفوان ما يطرح.
– يقع بعض الكُتّاب دونما مبالغة خصوصا في أيامنا ، في أن يتكلم عن أعيان أو نتاجهم في القديم والحديث ، وهو لم يقرأ بتدبر كتبهم أو يفهم ملابساتهم الظرفية في الزمان الذي كتبوا فيه.وهذا النقص المعرفي عند الكُتاب يضيع عليهم فرصة استلهام مناقبهم وما هو مأخوذ على هؤلاء الأعيان أو نتاجهم وما تفسحه إمكانية التعذر لهم. وهذا بالطبع لا يتأتى يسرا لمن وقع ضحية الحكم المسبق على الأعيان وحقب الزمان.
– غياب تقبل العلمية والمُحاجه المنطقية من أي مصدر كانت ، واحترام الغير وقبول التنوع والتضاد قد يكون أحيانا صعب في تحمل السجال فيه. وهذا يحتاج بناء روحي فكري عقدي يغمر الباطن وينمو مع التجارب وحكمة النظر في الأشياء.
نضج مثل هذه الشخصية المنشودة للكاتب أقرب ما تكون مثل ثمرة شجر طاب مذاقها. وهذا الثمرة حكايتها مع الزمن تبدأ بالبذرة التي تفتقت ثم نمت وأغصنت وأورقت حتى أثمرت ، وهذا ما تراه عند الأكابر والرواد ومن سلك مسلكهم وأيامنا فيها مثل هؤلاء الكتاب الأفذاذ وأملنا معقود على أزديادهم.
وختاما للحديث مع الصديق
تمنينا الخير والفأل لنقول :
ندعو ونحب لكل من يكتب أو يتحدث أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، يهطل بكتابته وخطابه على السامع والقاري، كقطر غيث صيب نافع ، ويسكب الحكمة والتؤدة اينما حلّ محبةٌ للناس ونفعهم.
ختاما
تعوذنا بالله من نفس تكابر فيها القلم ، أو اللسان،كحال من لا تلتمس فيه تقويم أو عوج لا يستقيم ، كمثل حجر صلب لا ينقطع أو عود لا ينحني.
ما أجمل الكاتب والمتكلم الذي يسعى إلى الحقيقة والمعرفة، ويعرف أنه ليس هنالك منتهى في الطلب والاجتهاد، وأن العقل إذا أراد أن يبدع ويتسنم الإثراء، عليه طيب الممارسة والنُصح فيها ، ويدرك أن القلم واللسان هما أمانة الله حسيبها.