الرأي
ماذا لو عاد أبناء عثمان …؟
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
في سنة 1154 هـ كتب الحلاق أحمد البديري يومياته حتى عام 1176 .. وهي من الأعوام التي حكمت الدولة العثمانية الأوطان العربية، وتحديداً في عصر (محمود الأول وعثمان الثالث و مصطفى الثالث) ..
هذه اليوميات هي وثيقة اجتماعية نقية نُفذت كتلويحة للعرب؛ حتى لا يتكاثر المغفلون خلف صيحات المجد الأردوغانية بعد أن طُردت أحلامهم خارج أوروبا …!
تلك الأحلام التي كلفت تركيا قيمها الإسلامية …لتركض للذاكرة وتصنع قيامة أرطغول بعد العشق الممنوع .. دولة لا تعلم أين تقع أحلامها في أوروبا أم الوطن العربي ولا تعرف ماذا تلبس.. عمامة أم كرفتة ..؟!
لنذهب إلى يوميات أحمد البديري – رحمه الله – يقول : (وفي سنة 1154 كان والياً بالشام الحاج علي باشا من الأتراك وذلك بعد مضي إحدى عشر سنة من جلوس مولانا السلطان محمود خان على العرش … وكانت هذه السنة سنة غلاء في الأقوات وغيرها حتى بلغت أوقية السمن بخمس مصاري ونصف و رطل الأرز ستة عشر مصرية و رطل الكعك بأربعة عشر مصرية … وفي هذه السنة قُتل ابن مضيان شيخ العرب بين الحرمين بعد قتال وقع بينه وبين والي الشام علي باشا …!
_ ثم دخلت سنة 1155؛ حيث ارتحل سليمان باشا طالباً قتال الظاهر عمر حاكم قلعة طبرية ومعه عسكر عظيم و أخذ معه الطوبجية الذين جاءوا من اسطنبول بطلب منه !!
(بالمناسبة الظاهر عمر هو أول عربي ثار على الحكم التركي بالشام ، كتب إبراهيم نصرالله رواية “قناديل ملك الجليل” لنعرف من هو عمر ؟
ولما اغتالته الدولة العثمانية وهو في السادسة والثمانين من عمره ؟! ) .
استمر حصار طبرية و قطعت عنهم المؤن حتى دخل رمضان …
يقول الحلاق : وفي تلك الأوقات اشتد الغلاء في سائر الأشياء سيما المأكولات مع وجود الأغلال وغيرها فمن عدم تفتيش الحكام ..صار البياعون يبيعون بما أرادوا غير أن الغنم كان قليلاً جداً فصار الجزارون يذبحون الجاموس والجمل والمعز … فصار يباع رطل اللحم الشامي بثلاثين مصرية …..الخ
وكان نهار عيد الفطر يوم الأربعاء وقد صمناه ثلاثين يوماً بإكمال العدة ..فدخل العيد ولم يأت حضرة والي الشام سليمان باشا العظم إلى دمشق . فسبق كخيته والعسكر وترك على قلعة طبرية الترجمان وعنده العسكر وأمره أن لا يقدم على دمشق حتى يخربها بعد إخراج أهلها منها …!!!!
في عاشر ذي القعدة دخل مصطفى باشا متولي طرابلس الشام نهار الإثنين إلى دمشق .عينته الدولة العلية سرداراً على الجردة .. وكان المذكور سفاكاً للدماء ظلوماً غشوماً أهرق دماء كثيرة حينما كان في طرابلس …. وكان غالب قتله بالكلاب والشنكل.. يترك الرجل حتى يموت جوعاً و عطشاً فهربت غالبية أهالي طرابلس من ظلمه وتفرقوا في البلاد … وأرسل أعوانه في طلب الهاربين ومن قبضوا عليه كان من الهالكين …
وبعد مجيئة إلى دمشق وقعت فتنة بين الدلاتية التي للمتسلم وبين لاوند الأكراد حتى قتل من الفريقين جماعة وكانت تلك الفتنة في يوم جمعة حتى بطلت صلاة الجمعة في كثير من الجوامع ..!!! )
في سنتين فقط أخرج العثمانيون أهل طبرية من ديارهم وسُلط على أهل طرابلس من طغاتهم وترك أهل دمشق للغلاء وشماتة الأعداء … وقتل بين الحرمين شيخ العرب ابن مضيان وفي أشهر الله الحرم !! … وطمس الظاهر عمر من حاضره والتاريخ ..!
رغم بساطة كتابات الحلاق وخلطه بين الفصحى والعامية إلا أنه نقل التاريخ الحقيقي لوحده عاما بعد عام، ولم يهمل أي حدث، ولو كان في وقته شيء لا يذكر …فشكلت لنا نحن دلالات اجتماعية وتاريخية عظيمة …نستطيع من خلالها تفسير ما لا يمكن تفسيره سابقاً وأخذنا من شواطئ الشك إلى اليقين .
وإلى الجمعة القادمة .. رحمات الله على الحلاق أحمد البديري .