تعليم الحب عن بعد..

الجميع يحاول … هذا كل ما استطيع وصفه على وجه الدقة بعد مضي أكثر من شهر في التعليم عن بعد ..
هذه التجربة رغم أنها عن بعد.. إلا أنه أصبح كل شيء قريب بشكل رائع أحيانا.. وبشكل مزعج في حين آخر ..!
ويأخذ شكل الحيرة في أيام أخرى ..ولا يخلو من الضحك في أوقات ليست بالقليلة ….
كموقف حدث في إحدى الحصص.. سألت طالبة المعلمة (أستاذة وينك ما لقيتك !) ترد المعلمة كيف حبيبتي ما لقيتيني …. تصمت الطالبة عشر دقائق ..ثم تندفع فجأة : أبلة لقيتك !! تسألها المعلمة: وين لقيتيني؟!!!
ترد …في الواتس !!! لقاء من طرف واحد .. حتى الآن لا نعرف تفاصيله ولا نستطيع حتى تخيله …
لا أعرف كيف ستتذكر ابنتي الصغيرة هذا الفصل الدراسي من السنة الأولى ابتدائي، لا أعلم بالضبط مالذي سيعلق في ذاكرتها؟
وكل ما تحمله هي (الأصوات) أصوات المعلمات والطالبات … والكلمات …
فصل ممتليء بمشاهد من الخيال …تتخيل شكل معلمتها سعاد و معلمتها وفاء و معلمتها مها و معلمتها داليا …
تتخيل شكل الفصل والممرات و ملامح الطالبات عن قرب …
تسألني كل مرة من صديقاتي … ؟
هل سنلعب ؟ هل سنلتقي … ؟
لتذهب أسئلتها لصمت يمتد بيني وبين كورونا من خلال منصة مدرستي!…

في بداية كل حصة دراسية..
تحاول كل طالبة إثبات وجودها إما بالحديث عبر المايك أو فتح الكاميرا للاستعراض واللعب..لكن باقي الطالبات لا يجعلن لها فرصة ولو قليلة حتى يدخلن في الحديث ومشاركتها المشهد…
تفتح المعلمة المايك وتطلب من الجميع إغلاق المكرفونات والشاشات..!
البعض منهن تغلقها سريعا والبعض تعجز عن ترك هذا الظهور …. ليذهب نصف الوقت و نصف الجهد إن لم يكن كله !!!
تخيل أن هذا المشهد يتكرر يومياً منذ خمسين يوما …!
ومن الواضح أن بعض الأمهات تترك طفلتها تركاً كلياً ! حتى تعتمد الطالبة على نفسها أو ربما تكون مرتبطة بعمل عن بعد أيضاً  أو هناك ما يحول بينها وبين البقاء لظرف لا نعرفه ..!
لكن … هذا الترك لم يكن مهيأ …
فسمعنا أحاديث وحوارات عائلية ما كان يجب أن تسمع !!!
وشاهدنا غرف الملابس والصالات وبعض من أفراد العائلة وما كان يجب أن تظهر !!!
وفي الكثير من الأوقات.. تظهر الطالبات بشعور منكوشة متطايرة أو مسبلة بشكل مهمل …بثقة عالية وبرائة عذبة و صور في الحقيقة محزنة .. صور لا تتمنى أن تكون انعكاسك أبداً … وليست صور تعكس جهود أمهاتهن لكنها صور ظهرت على حين غفلة ..!
لم أكن لأكتب عن هذه الأوقات وما تحمله من غرائب واندهاشات.. ولكن دفعني اليوم موقف جميل..وفي الحقيقة أحببته واستوقفني …
كانت المادة هي لغتي.. وكانت المعلمة تختار بشكل عشوائي اسم طالبة.. ثم تختار بشكل عشوائي ٨ كلمات للقراءة ..
لاحظت المعلمة أن المايك يغلق ثم يفتح بعد ثواني قليلة وكأن الطالبة تلتقط الجواب من شخص بقربها ..
طلبت المعلمة عدم مساعدة الطالبة حتى تحاول هي القراءة .. ثم أغلق المايك مرة أخرى لتتأكد المعلمة أن الشخص مازال موجودا … ثم تحدثت مع الطالبة بطمأنينة حقيقية …قالت: ( سأحبك كان جوابك صح أو خطأ.. لكن شخص يغششك لا يعرف كيف يحبك )….
صمتت الطالبة لحظات …ثم قالت: لحظة معلمة سأطلب منها الذهاب … ثم بدأت بالقراءة والمحاولة ..
تحتاج كل طالبة الثقة والحب و الخطأ كاحتياجها للصواب..
وتحتاج كل معلمة احترام جهدها ببذل جهد مثله أو يزيد …
والحقيقة أنني أحببت مثل هذا الحب ومثل هذه الإستجابة …
وأحببت كيف يختار الطفل من يحبه …
التعليم عن بعد يسكنه قرب لا يراه أي أحد.. ولكن يلمسه من قلبه مخلص متفان..