الرأي
وزارات الصحة “العربية” وكورونا
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لا شك عندي وعند غيري أن جائحة فيروس كورونا مؤلمة وصادمة، وكما فاجأت الجميع بشراستها وانتشارها الجغرافي الواسع، فقد فاجأتنا بردة فعل المجتمع الدولي، فهذا الشهر “الثامن” منذ الاعتراف بها بشكل واضح.
ولن أتحدث عن هذا المرض فقد أُشبع بحثًا ودراسة، لكن ما لفت انتباهي هو طريقة تعامل دول العالم معه، فقد أكدت مرة أخرى حقيقة نعرفها من عقود، وهي أن العالم ينقسم إلى قسمين أو صنفين رئيسين، هما: “الأول والثالث”، مع أن بعضنا ينفي أو لنقل يشكك في أننا من دول العالم الثالث.
فالمتابع لنهج دول العالم وأسلوبها في التعامل مع هذه الجائحة، يتبين له أن بعضها بدء بداية طيبة، خصوصًا من الدول العربية، وأخص منها المملكة العربية السعودية، فقد اتخذت هذه الدول قرارات وإجراءات حالت دون انتشار الجائحة بشكل ينهك القطاع الصحي ويضر به.
إلا أن استمرار الجائحة وتوقف دول العالم الثالث على وجه الخصوص- عند الإجراءات ذاتها، أوقف عجلة الحماس والمواجهة الفعلية مع هذا الوباء. وفي حين فتك –كما بينت الإحصائيات- بأعرق الدول الغربية التي تقود العالم حضاريًا، إلا أنها أظهرت مع الوقت أن هذه الدول ينطبق عليها معيار “العالم الأول”، من عدة جوانب، منها:
– الشفافية في معالجة الوباء.
– عدم الحدية في القرارات التي تأتي عبر عدة مؤسسات.
– العمل باتجاهات عدة، تمثلت في محاربة الوباء ومواجهته، مع السعي الحثيث للكشف عن لقاحات وأدوية مناسبة.
– معالجة الاضرار التي نالت من مواطنيها وسكان أرضيها.
ولعل أهم ما لاحظته في تعاملهم مع الوباء ما اسميه بـ “الواقعية”، والتي أظهرت تجنب أصحاب القرار في هذه الدول اتخاذ قرارات حادة تكون نتائجها على الأمدين المتوسط والطويل ضارة على المجتمع وحياته.
وإذا أخذنا المنهج الذي انتهجته دول العالم الثالث، فقد انقسم إلى:
– قرارات حازمة وحادة.
– مشكك ومتهاون في مجابهة الوباء.
– عدم الاقرار بالوباء.
وردات الفعل هذه (القرارات الحازمة، أوالمشككة أو المتهاونة…إلخ) لم تراعي مصالح المجتمع. فهذه القرارات ذكرتني بأسلوب بعض الوعاظ الذي يغلب على فتاويه التحريم أو التحليل، فيبح بفتواه هذه حرامًا أو يحرم حلالًا؛ في مسعا منه إلى عدم إضاعة الوقت في التفكير والاستنتاج.
لذلك انتهجت وزارات الصحة في عالمنا العربي منهج: “المنع، الحظر” أو “ترك الأمور للزمن الكفيل بحلها”، دون أن تكلف نفسها التفكير والعمل على ايجاد حلول ناجعة.
فالفارق بين تعامل الدول العالم الأول والعالم الثالث، عكسه عدة امور منها:
الأول: قرارات دول العالم الثالث تصدر مفاجئة وصارمة، مثل: قرار منع السفر من وإلى البلد. فهذا القرار الذي لم يمنح مدة كافية ليتهيأ المواطن أو المقيم العودة إلى بلده؛ فكلف الدول العربية المليارات لإعادتهم، وهو ما اسماه الإعلام الحكومي في هذه الدول: “إجلاء المواطنين”، فسعت معظم الدول في إعادة مواطنيها، بل أن بعضها تكفل بمصاريف إقامة هؤلاء لمدة زادت على الأيام. والمفترض إتاحة مدة كافة -بين 3-5 أيام- قبل سريان المنع ليتاح للجميع العودة بهدوء، ولو حصل هذا لما احتاج الأمر إلى كل هذه التكاليف التي صُرفت، وعاد الغالبية دون إثارة الرعب والفزع.
أما قرارات دول العالم الأول بشأن منع السفر من وإلى بلدانهم فغالبًا ما يبدأ سريان الحظر/ المنع بعد أيام من إعلانه، وهو ما اسميته “الأسلوب الواقعي”. وهكذا تجنبت هذه الدول (العالم الأول):
– دفع تكاليف لا داع لها.
– التفريق بين أولئك غير المواطنين الذين غادروا البلد لمهام مختلفة، بعودتهم إلى عائلتهم في المهجر.
– قطع أرزاق المهاجرين من جراء هذه القرارات المفاجئة.
الثاني: وعكسه الهدوء والروية عند صاحب القرار في العالم الأول، أخذه في الحسبان البعدين الاجتماعي والإنساني لأمثال هؤلاء، فحرصوا إلى حد ما على هذا الأمر. ومن باب الحق أقول إن المملكة راعت ظروف هؤلاء فسمحت لراغبين في السفر من غير السعوديين العودة إلى بلدانهم، لكن دون تأكيد عودتهم.
الثالث: أن مسئولي العالم الثالث لم يلقوا بالًا للاقتصاد وما سببه الحظر الطويل من أضرار اقتصادية واضحة، نظرًا لأن مجتمعاتنا العربية مجتمعات استهلاكية بشكل عام، وهي من الاقتصاديات التي تصنف بالريعية، فالدولة هي التي تملك المفتاح الرئيس في الاقتصاد، وتعتمد بشكل كبير على ثلاثة أمور: ثرواتها المعدنية أو الطبيعية أو الضرائب أو كلاهما. في حين ترتبط اقتصادبات الدول العالم الأول بشكل واضح بالإنتاج.
وشخصيًا أجد أن مبالغة وزارات الصحة العربية بإجراءاتها قد نشرت الفزع والرعب بين أفراد المجتمع، لأن هؤلاء لم يأخذون الأمر بشكل دقيق فأكتفوا بترديد ما يشاهدونه ويسمعونه في وسائل الإعلام الغربي وتضخيمه.
وفي تصوري أن الوقت قد حان لتعامل الحقيقي مع الوباء، بفرض قوانين صارمة وإجراءات احترازية مع الحرص على تطبيقها من أفراد المجتمع، والعودة إلى الحياة الطبيعية.
واستمرار الوضع الحالي يجعلني بصدق أشك أن حكوماتنا العربية تستغل الوباء لمصلحتها، فتعطل المشاريع وتعلن عن حاجتها إلى المزيد من مصادر الدخل، فقد أعلن وزير مالية إحدى الدول الخليجية عن عدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب بسبب كورونا وما سببته من أضرار، مع أن السبب بكل صدق- هو فساد الحكومات منذ سنوات. وأصبحت الحكومات العربية ترفع شعار “لا صوت فوق صوت كورونا”، في محاكاة لتلك العبارة التي رددتها الأنظمة الثورية في الستينات “لا صوت فوق صوت المعركة”، فأزاحت الحكومات عن كاهلها الأسباب الحقيقة لفشلها، ووضعته على كورونا.
وعندي مع الأسف أن تبرير وزارات الصحة العربية في القول: “بعدم قدرة البنية التحتية الصحية لاستقبال أعداد كبيرة” أسطوانة لا ذنب لنا فيها، فمسئولية الصحة إقامة المستشفيات والبنية الصحية التحتية، وتعيين الطاقم الطبي والصحي؛ لذلك أرى أنها أسطوانة تعكس فشل هذه الوزارات في الاستجابة لمتطلبات الصحة وخدمة المجتماعات العربية، كما تعكس أن الأطباء في بلداننا ليسوا في الواقع إلا مرآة للغرب والشرق، وجهودهم التي لمسناها في هذه الجائحة لم تتعد ترجمات بعضها مشوه لما تقذفه المكينة الإعلامية الصحية الغربية والشرقية. كما بينت هذه الأزمة حاجة القطاع الصحي ومنسوبيه إلى العمل على تطوير أنفسهم ومسايرة العلوم الحديثة إضافة إلى حاجتنا القيام بتطوير حقيقي للكليات الصحية ودعمها ومساندتهاِ، فالوضع الصحي العربي قي حالة.