الرأي
الاقتصاد التعليمي وعولمة الجامعات السعودية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
أزمة فيروس كورونا العالم غيرت مفاهيم عالمية وسرعت وتيرة التغيير في البروتوكولات السياسية والأنظمة والتشريعات وقبول الجهات الحكومية والتجارية لعمليه التغيير بإدخال التقنيات بشكل متسارع في الجلسات القضائية والاجتماعات السياسية والتعليم وغيرها واقناع متخذي القرار بعيدا عن تدخل البيروقراطية التي كانت تقتل الإبداع في مهده وكانت عمليات التغير تحتاج لسنوات. المملكة العربية السعودية شهدت مؤخرا قفزات عالمية في تطوير البنى التحتية التقنية للحكومة الإلكترونية ولقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.
التقدم التقني والرقمي مكن القطاع التعليمي من إكمال الموسم الدراسي بالتعامل السريع خلال الازمه باستراتيجية تعليم طوارئ للتعليم عن بعد لكافة المستويات التعليمية من المراحل الابتدائية الى المراحل الجامعية والدراسات العليا. الجامعات العالمية انتقلت مجبره الى “التعليم عن بعد” والتعامل السريع مع المتغيرات. خلال أزمة كورونا، رأينا مناقشات الدكتوراة في الجامعات العربية والجامعات العالمية تتم افتراضيا أونلاين وأقيمت حفلات التخرج بطرق ابداعية افتراضية. كما أعلنت جامعه كامبريدج العريقة أن السنة الدراسية لعام 2020م سوف تكون “تعليم عن بعد” لضمان سلامه الطلاب والعاملين فيها.
رغم نجاح معظم المدارس والجامعات حول العالم في التعاطي مع حاله تعليم الطوارئ “تعليم عن بعد” كان هناك ملايين الطلاب والطالبات في الدول الفقيرة التي حرمت التعليم التقليدي بسبب غياب البنية التحتية وعدم توفر التقنية وعدم القدرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة بسبب أزمة كورونا. الازمه صنعت فكر جديد في الابتكار والابداع حتى في الدول الفقيرة التي لجأت الى نقل الدروس عبر الأثير في الإذاعة لتصل إلى الطلاب والطالبات. بين الإذاعة او التقنيات التعليمية المستخدمة “للتعليم عن بعد” تتفاوت نوعية ومحتوى المادة العلمية وآلية نقل المعلومات والتفاعل بين الطلاب والطالبات مع المدرس او المحاضر وتفاصيل العلاقة بين المدرسة والطالب وأولياء الأمور.
الملفت للنظر هو إعلان معظم المسؤولين نجاح تجربة “التعليم عن بعد” وأنه مستقبل التعليم بدون تحديد أي مؤشرات او أهداف تحققت، وهل يناسب كل الطلاب والطالبات في جميع المستويات التعليمية وذوي الاحتياجات الخاصة. من خلال تواصل مع بعض الكليات والمدارس داخل وخارج السعودية، هناك الكثير من التحديات من بطء او عدم توفر الانترنت في بعض المنازل او عدم توفر الأجهزة التقنية يضاف لها غياب التفاعل الحسي الذي يحتاجه الطفل في المراحل التعليمية الأولى وتفاوت قدرات بعض أولياء الأمور تقنيا واستمرار تواصل الطلاب وأولياء الأمور مع المدرسة لساعات خارج أوقات العمل الرسمي. لا يمكن قياس تجربه نجاح “التعليم عن بعد” الا بعد مضي مرحله تعليميه كامله لنحكم على مخرجات التعليم والمهارات المكتسبة والقدرات في كيفية التعامل المجتمعي والمهني خاصه لطلاب المرحلة الابتدائية وصغار السن.
رغم أن هدف مقالي هذا ليس لتقييم “التعليم عن بعد” او قياس نجاحه، لكن خلال رحلتي العلمية والعملية التي استمرت بحدود 25 سنه بين أمريكا وبريطانيا والدراسة في ست جامعات مختلفة ومقابلة جنسيات من دول العالم تمثل الألوان والأطياف والأديان والأفكار المختلفة، أكاد أجزم بأني لم أسمع طالب او طالبه ترغب او تتمنى لو كان “التعليم عن بعد” رغم أن التعليم عن بعد سوف يساعدهم في تخفيف التكاليف المالية الباهظة مع إمكانية البقاء مع أهاليهم داخل دولهم بدل مشقه السفر والغربة وتحمل الديون الدراسية لمن يدرس على حسابه الخاص.
معظم من قابلتهم من الطلاب والطالبات الأجانب يدفعوا آلاف الدولارات لما يسمى الحياة الجامعية (Campus Life) وتسوق الجامعات والمدن والدول لذلك لجذب الطلاب وإبراز التمايز بين الدول والمدن والجامعات من خلال المكتسبات من العيش داخل مفهوم “الحياة الجامعية” التي سوف يستمتع بها الطالب وتساعده في الاحتكاك بخبرات ومدارس لأنماط فكرية مختلفة والتفاعل مع المشاكل اليومية وإمكانية إيجاد فرص العمل في الخارج واكتساب مهارات تساعده في نقل وتوطين المعرفة لمساعدة دولهم وأوطانهم في مراحل التنمية. بعض الطلاب أهدافه تتعدى الحياة الجامعية الى التخطيط للانتقال والعيش والعمل في دول جديدة.
السياحة التعليمية والاقتصاد التعليمي أحد أهم الاقتصادات وتعتمد عليه الكثير من الدول والمدن والجامعات ويعتبر محرك للاقتصادات الاخرى بل وتسعى الدول لوضع الأنظمة المرنة التي تساعد في جذب الطلاب والطالبات والباحثين الأجانب لتكون وسيله في اكتشاف المواهب والعقول البشرية لمنحهم تسهيلات تساعدهم في العمل والاستقرار في تلك الدول.
كندا وجامعاتها تقوم بتقديم المبادرات والتسهيلات لدعم السياحة والاقتصاد التعليمي وجذب الطلاب المميزين للدراسة في جامعاتها وكلياتها مع توفير مميزات إمكانية العمل خلال فترة الدراسة وبعد التخرج. يضاف لذلك، تمنح كندا تسهيلات تشمل تسريع الحصول على فيزه طالب مع إمكانية تمديدها لثلاث سنوات للعمل بعد التخرج مع إمكانية منحهم الجنسية الكندية. هذه الرؤية والتسهيلات أدت لزيادة بنسبة 20% في أعداد الطلاب الأجانب. رغم البعد الجغرافي عن معظم القارات والدول، أستراليا لديها رؤيتها في تحريك الاقتصاد التعليمي ومنافسة باقي الدول في جذب الطلاب الأجانب بتقديم حزمة من التسهيلات تساعد الطلاب للحصول على الفيز الدراسية في فترة قصيرة مع منحهم إمكانية العمل 18 شهر بعد التخرج ويمكن زيادتها الى أربع سنوات للتخصصات النوعية التي تحتاجها. أستراليا حققت باستراتيجيتها على زيادة بنسبة 15% في عدد الطلاب. وكذلك تقوم دول أوروبية بنفس الرؤيا لجذب العقول والمواهب وتطوير الأبحاث والابتكارات وتحريك الاقتصاد المحلي.
الولايات المتحدة الأمريكية أحد الدول التي تعتمد على الاقتصاد التعليمي الذي يقدم ٤٥$ مليار سنويا للاقتصاد القومي. حاولت أمريكا تمرير قانون يجعل كل من يحمل تأشيرة طالب أجنبي وتم تغيير نوع الدراسة في جامعته بسبب جائحة كورونا من التعليم التقليدي الى تعليم أونلاين أن يغادر الأراضي الأمريكية ويعود لها عندما يتم تغيير نمط الدراسة في الجامعة التي يدرس فيها الى النظام التقليدي الذي يتطلب وجوده داخل الحرم الجامعي. وبسبب التنافس بين الدول لجذب العقول والأثر الاقتصادي على الجامعات والمدن الأمريكية تم التراجع عن هذا القرار الذي يشمل الطلاب الأجانب.
تشجيع وتقديم التسهيلات والحوافز للطلاب الأجانب مهمة في الاقتصاد وتوليد الوظائف وتحريك قطاع السياحة والفنادق والمطاعم وجذب عوائل الطلاب لزيارة المدن الأمريكية بالإضافة الى الرسوم الدراسية للجامعات. يساهم الطلاب الأجانب في توليد 458 ألف وظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى كل سبعة طلاب أجانب يساهموا في فتح ثلاث وظائف، وتقدم أمريكا حوافز لعمل الطلاب خلال فترة الدراسة.
في عام 2019م، الطلاب الأجانب ساهموا في ضخ ما يزيد عن 12 مليار دولار الى اقتصاد كاليفورنيا ونيويورك، وساعدوا في فتح أكثر من 134 ألف وظيفة، منها 6.8 مليار دولار و7481 وظيفة لاقتصاد كاليفورنيا، و5.3 مليار دولار، والمساهمة في فتح ما يزيد عن 59 ألف وظيفة في الاقتصاد المحلي لنيويورك.
يشكل الطلاب من الصين النسبة الأكبر في عدد الطلاب الأجانب في أمريكا بواقع 369548 طالب، يليها الهند 202014 طالب، ثم كوريا الجنوبية 52250 طالب، ثم المملكة العربية السعودية بعدد يصل إلى 37080 طالب، يليها كندا 26122 طالب.
ربع الشركات الناشئة، التي انشئت في أمريكا، ما يعادل 25٪، كانت عن طريق الطلاب الأجانب وتمثل قيمة الشركات الناشئة مليار دولار، ايلون ماسك Elon Mask هو أحد أشهر الطلاب الأجانب الذي قدم من جنوب أفريقيا للدراسة ثم أسس شركة SpaceX الذي تبلغ قيمة شركتة الآن 36 مليار دولار وساهمت الشركة في فتح ثمانية آلاف وظيفة.
حتى السنوات القليلة الماضية 40% من الشخصيات الأمريكية الذين حصلوا على جائزة نوبل في مجالات الطب والكيمياء والفيزياء هم طلاب أجانب قدموا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بغرض الدراسة وتم منحهم الجنسية الأمريكية.
يضاف لذلك يلعب الاقتصاد التعليمي والجامعات دورها كقوة ناعمة في بناء شبكة خريجين ضخمة في دول مختلفة تساهم في بناء شراكات مستمرة مع الدول والجامعات التي درسوا فيها وتعزز الصورة الذهنية وثقافات تلك الدول في مجتمعات الطلاب الأجانب بعد تخرجهم.
المملكة المتحدة في آخر 15 سنة قامت بتعديل وتطوير نظام الطلاب الأجانب وجعلته أكثر جاذبية لتنافس الدول في تنمية الاقتصاد التعليمي وتحريك الاقتصاد المحلي. مؤخرا تم تقديم مبادرة “الطريق الجديد” المتعلق بالتأشيرات لخريجي جامعات المملكة المتحدة والتي تتيح للطالب الأجنبي المكوث لمدة عامين في المملكة المتحدة بعد التخرج للعمل او البحث عن عمل وتسهيل الحصول على فيزا العمل للطلاب المتخرجين وإتاحة الفرصة لهم للعمل ساعات محددة خلال الفصل الدراسي وبنظام العمل الكامل خلال الاجازات الدراسية.
الحياة الجامعية التقليدية هي ما يميز الجامعات وينمي الاقتصاد المحلي ويزيد من الحركة السياحية. ازمه كورونا والتغيرات التقنية وقبول فكرة “التعليم عن بعد” على مستوى وزارات التعليم والجامعات يعتبر عامل هام جدا وفيه فرص للابتكار والتنافسية لزيادة المداخيل المالية للجامعات وقطاع التعليم والانتقال لعولمة التعليم وخاصه التعليم الجامعي والدراسات العليا.
ولإعداد البنية التحتية والكوادر المؤهلة مع إيجاد التدريب اللازم للعاملين والمحاضرين في “التعليم عن بعد”، على الجامعات أن تؤمن أن هناك فرص مرتقبة لفئات تحتاج لأنواع مرنة في التعليم داخل وخارج المملكة وان تقوم بتطوير البنية التحتية التقنية بأحدث التقنيات لتناسب التعليم التفاعلي عن بعد ويكون أكثر متعة للعميل. يضاف الى ذلك هنالك اختلاف كبير بين التعليم التقليدي والتعليم عن بعد مما يعني أنه لابد من تأهيل الكوادر اللازمة بالتدريب في كيفية التدريس افتراضيا باستخدام التقنيات بداية من إعداد وتحضير المواد التعليمية وملائمة محتواها مع إلمام المعلم والمحاضر بمعرفة المهارات اللازمة لزيادة التفاعل بين الطلاب والمواد التعليمية وبين الطلاب أنفسهم للمشاركة في المشاريع المختلفة.
وجود المواد التعليمية والكوادر يتيح للجامعات استهداف عملاء وأسواق جديده محليه ودوليه بتقديم دورات ودبلومات وتخصصات تناسب احتياج السوق واحتياج طلاب وطالبات وموظفين لم يكن لديهم القدرة للالتحاق بالتعليم التقليدي او بسبب البعد الجغرافي. التقنيات تساعد الجامعات في كسر حاجز المكان والزمان والحصول على جزء من الحصة السوقية التعليمية من جامعات داخل مدن سعودية أخرى او جامعات عربية او إقليمية او دولية، بمعنى لا حدود تقليدية للجامعة في تقديم التعليم.
ميزة تنافسية متاحة للجامعات السعودية وهي جذب طلاب وطالبات من خارج حدود مدينة الجامعة بل ومن خارج السعودية للراغبين في التعليم للتخصصات الأكاديمية او المهنية او الدبلومات القصيرة او الدراسات العليا والتنفيذية مما يساعد الجامعات للانتقال للعالمية وضبط جودة التعليم وتحسين صورتها الذهنية وتسويق للجامعات وأبحاثها وابتكاراتها وتسويق للمدن والسعودية وضمان المنافسة العالمية.
الجامعات السعودية لديها اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع جامعات حول العالم ومن خلال التقنيات يمكن للجامعات اضافة ميزة تنافسية تتيح لها تدريس مواد ضمن تخصصات الجامعة من خلال محاضرين دوليين بدون وجودهم داخل المملكة العربية السعودية مما يساعد في إضافة مدارس فكرية متنوعة تعطي قيمة مضافة للطلاب ضمن العملية التعليمية. يمكن ايضا تدريس المواد المشتركة مع الجامعات الدولية مما يتيح للطالب والطالبة في الجامعات السعودية الاحتكاك بطلاب في جامعات خارجية من خلال الاشتراك في مشاريع مشتركة مع طلاب لنفس المادة العلمية بجامعة أخرى.
التقنيات والمؤتمرات والندوات عن بعد سوف تضيف ميزه تنافسيه اخرى لقطاع التعليم في إثراء الأبحاث وتبادل الخبرات وزيادة المؤتمرات والندوات بين الباحثين والمحاضرين والطلاب في الجامعات السعودية والدولية. المؤتمرات العلمية الافتراضية سوف تساعد الجامعات في تقنين المصاريف وسوف تكون الملتقيات والمؤتمرات العلمية مصدر دخل إضافي في حال تم عقد مؤتمر علمي نوعي تخصصي سنوي يجذب الباحثين بما يخدم القضايا المحلية والتنموية للاقتصاد المناطقي.
عولمة الجامعات السعودية يتطلب الإسراع في بناء روابط الخريجين وبناء شبكات روابط الخريجين في دول خريجي الطلاب الأجانب في الجامعات السعودية مما يساعد في تحسين الصورة الذهنية للتعليم الجامعي السعودي وتكون القوة الناعمة في تسويق السعودية وتسويق المدن وتعزيز نقل الثقافات السعودية للخارج وتعزيز العلاقات السعودية الدولية ومصدر مستقبلي لجذب الاستثمارات والسياحة.
استبيان شمل 509 قطاع تعليمي في الولايات المتحدة، رغم العدد الكبير للطلاب الأجانب في أميركا، كشفت نتائج الاستبيان أن هناك نسبة كبيرة من طلبات الحصول على فيزا الطلاب الدراسية لدخول أمريكا يتم رفضها سنويا، لأسباب منها 83% بسبب إجراءات الحصول على الفيزا الطويلة، 60% تم رفضهم لأسباب اجتماعية او سياسية، 59% بسبب طول الانتظار للحصول على الفيزا جعل الطلاب يتجهوا الى دول اخرى تقدم التعليم مناسب، 57% بسبب ارتفاع التكاليف الدراسية في أمريكا، 50% لشعور الطلاب أنهم غير مرحب بهم في المجتمع الأمريكي، 40% لصعوبة الحصول على عمل داخل أمريكا، 40٪ لدواعي الأمن والخوف على حياتهم.
نتيجة الاستبيان فرصة للدول والجامعات لدراسة أكبر لأنظمتها الحالية للحصول على الفيزا الدراسية وفهم أسباب عدم حصول الطلاب على الفيزا الطلابية لأهمية الاقتصاد التعليمي وتنافس الدول على كعكة جذب الطلاب بتقديم ابتكارات تعليمية تقنية تفاعلية في قطاع التعليم التقليدي أو “التعليم عن بعد”، أو التعليم الهجين وزيادة مداخيل الجامعات بتقديم البرامج الأكاديمية والتنفيذية والدبلومات والدورات النوعية بوجود الطلاب الأجانب من الدول الأخرى. التطور التقني ذراع لتنمية الاقتصاد والسياحة التعليمية لتسويق السعودية وتعزيز عولمة الجامعات السعودية وتعزيز الصورة الذهنية اقليميا وعالميا.