الرأي , رياضة
لعبة وشعب 3-3
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
تحدثت في المقالين السابقين عن تاريخ كرة القدم في البرازيل وبداية ظهور الانقسامات العرقية في كرة القدم البرازيلية، ونستكمل اليوم المقال الثالث والأخير في هذه السلسلة، ونعرف لماذا يفضل البرازيليون فريقهم الخاسر في بطولة 1982م على فريقهم الفائز ببطولة 1994م!
فقد عززت خسارتي 1950م و 1954م الفكرة السائدة بين العديد من المثقفين البرازيليين ، والتي مفادها أن “التنوع العرقي” في البلاد تسبب في انهيار اللاعبين والبلاد ككل في وجه الضغط، وتم تفسير الخسارتين أنها مؤشر على دونية الشعب البرازيلي، في حين أن كرة القدم لديها القدرة على توحيد البلاد حول العرق، كان لديها أيضًا القدرة على الانقسام.
لكن عام 1958م كانت قصة مختلفة، قصة توحد البرازيل مرة واحدة وإلى الأبد حول فكرة الأمة المختلطة عرقياً، حيث كان العام الذي فازت فيه البرازيل بكأس العالم لأول مرة، وفي ذلك الوقت تعرَف العالم كله على مسرحية (لعبة) الجوجو بونيو – اللعبة الجميلة – والتي كان نصها مبنيا على (الجينغا) وأبطالها بيليه وجارينشا وغيرهم. منذ ذلك الحين كان هناك اتفاق عام على الأقل على أن البرازيل لديها تراث عرقي مختلط وأن السكان المنحدرين من أصل أفريقي يلعبون دورًا مهمًا في المجتمع.
قال الكاتب المسرحي نيلسون رودريجيز، إن البرازيل “لم تعُد هجينة بين الأمم”. لقد ساعدت كرة القدم البرازيل على بناء هويتها الوطنية كرة القدم تساعدنا على رؤية جمال البرازيل، وبشاعتها، وحياة الفقراء البرازيليين التي عادة ما يتم تجاهلها”، ويقال أن بريطانيا تقيس القرن العشرين بمجمّعات قسمتها الحروب العالمية ، بينما البرازيل تقيس القرن ببطولات كأس العالم.
بحلول عام1962م، كانت البرازيل قد أصبحت “دولة كرة القدم”، ليست فقط أفضل بلاد تلعب كرة القدم في العالم، ولكن بلاد إحساسها بنفسها والصورة الدولية لها مستمدة بشكل كبير من كرة القدم، لكن على الرغم من فوز البرازيل بالبطولة عامي 1994م و 2002م، إلا أن ذلك لم يماثل مجد الفوز في عام 1970م، وبصراحة فكل منتخب برازيلي عليه أن يلعب ضد ذكرى عام 1970م، والمهمة هنا مؤلفة من شقين: الفوز ببطولة كأس العالم، وإنجاز ذلك بطريقة “جوجو بونيتو”، أي “اللعبة الجميلة”.
لذلك طرأ نقاش بين البرازيلين اساسه هل نريد الفن أم القوة؟ هل سنتكفي بالفوز، أم نريده مقترنا بالامتاع؟، وإن أتى بدون إمتاع فهل نفرح به بكامل مشاعرنا؟
وبشكل تدريجي تطور في البلاد هذا النقاش ليصبح وطنياً بين أنصار الـ “فوتبول ـ فورسا” والمنادون بـ “فوتبول ـ آرت”، بمعنى هل ينبغي للبرازيل أن تلعب بأسلوب يتسم بالقوم أم بالفن؟
كان النظام العسكري في ذلك الوقت ومدربو الفريق الوطني يميلون إلى تفضيل القوة والانضباط، بينما معظم المشجعين يفضلون الفن. وهذا أدى إلى نقاش برازيلي أوسع: هل ينبغي للبرازيل مضاهاة البلدان المُنظمة، أم أن لديها طريقاً خاصاً بها أكثر إبداعاً نحو التطوّر والتنمية؟
لقد تبلور النقاش حول هزيمة “البرازيل الجميلة” أمام إيطاليا في بطولة كأس العالم عام 1982م، تلك الهزيمة التي التي جعلت البرازيليين يبكون في الشوارع، وأبكت جميع عشاق كرة القدم لخسارة فريق لم يضاهي متعة كرة القدم اللتي يلعبها سوى متعة برشلونة جوارديولا، وربما تغلب الجانب الفني العاطفي على تلك الجماهير ليرحبوا بالفريق العائد إلى الوطن ترحيب المنتصرين الأبطال، ولا يزال كثير من البرازيليين يفضلون فريقهم الخاسر في بطولة 1982م على فريقهم الفائز بمونديال 1994م.
وما بين خسارة 1954م إلى خسارة 2014م المذلة أمام الألمان وكون الماراكانا هو العامل المشترك بينهما، إلى الخروج أمام البلجيك في عام 2018م، فلا يزال عشق اللعبة ملتصقاً في قلب الشعب البرازيلي، ويفضلون ممارستها كرقصات الكرنفال بدلاً من حسابات الورقة والقلم وإحصائيات التمريرات والأجهزة، وبروح فليباو (سكولاري) أكثر من واقعية كارلوس البيرتو بيريرا، وأن تكون من وإلى البرازيل بدون ألوان أو أعراق.