الرأي
قناع أزرق
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لم يتبق من ملامحهن سوى خارطة الألم ، لم يُبقِ كورونا من جمالهن إلا الأمل بعالم خالٍ من وحشيته، عزلن أنفسهن من أزواجهن و أولادهن وأمهاتهن وآبائهن ، اختفين – كلياً – خلف الأقنعة ، خلف الخوف ، خلف التوجس والترقب ، خلف أنين المرضى وصداع العالم المضطرب… مع عدو مجهول ، يقاتل بكل أسلحة الموت …
لتعلن هيئة الأمم المتحدة أن النساء يشكلن 70 % من طواقم العمل في القطاعين الصحي والاجتماعي حول العالم ، فالعديد منهن قابلات أو ممرضات أو طبيبات أو باحثات ، تلك الأدوار التي تضعهن في الخطوط الأمامية للاستجابة لجائحة كورونا …
غادر الجميع المشهد العالمي : أبطال الأوسكار ، المشاهير ، اللاعبون ، الهوامير ، والسياسيين… وبقين مع سلاحهم الوحيد (القناع) ينظرن للسماء بحول الله و قوته….
لم يكن هذا الهم الوحيد الذي خرجن له … بل تلك الآلام المدفونة في صدورهن من وعثاء البشر … عندما كنا نضعهن تحت التقييم الأخلاقي والاجتماعي والعرفي …. هاشتاقات لا تتوقف وبشاعة تتكاثر… هي أشد وطئا و أوجع قيلا ..
#هل تتزوج طبيبة ؟
#هل تتزوج ممرضة؟
تساؤلات تأخذ السائل لمنحدرات عقله الخاوي والجاهل والفقير … إلى ألا إنسانية ، إلى ألا أخلاق ، معتقدا أنه يتربع على عرشه ..!!
هل يحتاج الإنسان إلى وجع كبير وقيامة للعالم صغرى ، حتى يدرك ما لم يستطع أن يدركه… ؟
يقول سارتر : “…. هذا العصر هو عصر الشر ، إنني أشكو لأنه عصر تعيس ، عصر بلا عاطفة ، وأفكار الناس نحيلة وهشة كرباط الحذاء ، إن نفسي مثقلة حتى إنه ما من فكرة بقادرة على تعزيتها ” ..
إن تعاسة كل عصر قد خلقت من أفكار الناس فيها ، فكلما كنت مثقلا بالأفكار البشرية الهشة كنت مثقلا بالتعاسة…
ولم يكذب ألبيرو كامو عندما قال : “البشر لا يقتنعون بأسبابك وصدقك وجدّية عذابك إلا حين تموت، وما دمت حيًا فإن قضيتك مغمورة في الشك، وليس لك أي حق إلا في الحصول على شكوكهم …”.
آه لتعاستنا عندما آمنا بكل هؤلاء النساء بعد أن شاهدناهن يسقطن بين الأسِرّة و ممرات المستشفيات … في معركة لا نستطيع حتى شكرهن..
قبل الختام :
تقف الممرضات أمام الموت بقناع أزرق وأمل للحياة أكبر…ويموت المجنون برباط حذائه…!