الرأي
إجلاء أو بقاء!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يجتاح العالم وباء انطلق من دولة الصين الشعبية ليغزوا العالم ويصبح أزمة عالمية في الجزء الشمالي من الكرة الارضية، ولا يعرف متى يبدأ نشاطه في الجزء الجنوبي من عالمنا.
في هذه الأوقات، أصبح العالم مشلولًا، توقفت دور العبادة، توقفت الحياة في معظم الدول، وأصبح العزل هو خطة الشعوب المشتركة، وتوقفت جسور الطيران، الشريان الذي يربط العالم، أغلقت الحدود وعزلت المدن وأصبح البشر بين الحظر المنزلي، وحظر التجول الكلي والجزئي.
السعودية من أوائل الدول التي اتخذت اجراءات احترازية وقائية واستباقية استثنائية، وأصبحت بسبب استفادتها من تجاربها السابقة مع كورونا والتعامل طوال العام مع إدارة الحشود لضيوف بيت الله الحرام، حديث الدول في كيفية الاستعداد بما يضمن سلامة الإنسان أولا بدون النظر للخسائر المادية التي يمكن تعويضها بوجود الرأس المال البشري الوطني. فقرارات المملكة الوقائية تمت بطرق علمية تتناسب مع مع الإمكانيات المحلية والطاقة الاستيعابية للمنظومة الصحية لخفض منحنى الإصابات، وإطالة فترة الانتشار بحزمة من القرارات الحازمة والقوية، مثل إيقاف العمرة وإقفال احترازي للمساجد وصلاة الجمعة، والعمل عن بعد ودعم مادي كبير لكامل القطاعات الحكومية والشركات الناشئة والمتوسطة، ودعم الأسر المحتاجة والمتضررة وكبار السن.
وزارة الخارجية السعودية أنشأت رابطا لتسجيل الرعايا السعوديين في الخارج، لمن يرغب بالعودة خاصة أصحاب الحالات الطارئة، من أجل التنسيق معهم عند فتح الأجواء للرحلات الجوية بين السعودية والدول الأخرى. ويوجد في الخارج المبتعثين وعائلاتهم، والسياح ورجال الأعمال ومن يخضع للعلاج في الخارج، والعاملين في الشركات السعودية خارج الحدود أو بالسفارات والملاحق السعودية حول العالم.
لكن السؤال: هل الإجلاء أو البقاء؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن مرض عن الطاعون: «إِذا سمعتم به بأرضٍ؛ فلا تقدموا عليه، وإِذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها؛ فلا تخرجوا فراراً منه »، فأصبح الحديث النبوي جزءًا حيويًا في تطبيق الاحترازات والاستراتيجيات الوقائية العالمية، ويطبق اليوم علمياً وعملياً عبر الحجر الصحي بعدم السفر والتنقل والخروج من المناطق الموبوئة إلى مناطق أخرى أقل وباءً بهدف محاصرة ومواجهة الأوبئة المنتشرة.
لاتخاذ القرار وبعيدًا عن العاطفة هناك عدة أسئلة على كل مبتعث أن يصارح بها نفسه قبل القرار.
حسب إرشادات منظمة الصحة العالمية، المرض أو الفيروس ينتقل بالعدوى من شخص مصاب بالفيروس لآخر عبر ملامسة أسطح الأشياء حاملة الفيروس. الدول مختلفة، بعضها اتخذت الاحترازات اللازمة، وبعضها طبقت حظر التجول والحظر المنزلي والتشديد على البقاء في المنزل، والحرص على النظافة بغسل اليدين، وهذه الاحترازات هي الواقي الأكثر أهمية لمنع الإصابة بالفيروس بعد التوكل على الله.
فالرعايا السعوديين تختلف حاجاتهم في الإجلاء، بينهم سائح ومبتعث ورجل أعمال وعلاج أو موظفين بالخارج. السائح وأصحاب رحلات العمل قد يكونوا الأكثر حاجة للعودة لأهلهم وبيوتهم وأعمالهم، وأعدادهم أقل بحيث يمكن احتواءهم عند العودة بالكشف والعزل الإجباري لمدة 14 يوم، وبعدها يمكن لهم الانضمام لعوائلهم في حال التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس.
بالنسبة للمرضى والمرافقين، يعتمد قرار الإجلاء على حالتهم الطبية واستمرار توفار الدعم المادي للعلاج، وغالبُا حسب حالة كل مريض في المستشفيات، وسفارات السعودية بالخارج تقدم لهم كل الاهتمام والدعم.
لكن بحكم تجارب ابتعاث سابقة وطويلة بين أميركا وبريطانيا، أقدم هنا بعض النصائح الهامة في اتخاذ القرار بعيدُا عن العاطفة والتأثر بالإعلام، فالمبتعثين ومرافقيهم هم العدد الأكبر الموجود حاليًا خارج السعودية.
الإجلاء يتطلب تسيير أسطول جوي كبير لدول كثيرة يتواجد بها المبتعثين والمبتعثات. عند السفر أو أي عملية إجلاء برحلات سفر جوية أو بحرية أو برية، فالإنسان معرض لمخالطة أشخاص آخرين من بداية خروجه من منزله مرورا بوسائل المواصلات إلى المطارات والجلوس في الطائرات لرحلات سفر طويلة أو قصيرة مع مسافرين آخرين، مما يعرضه للإصابة بالفيروس بشكل اكبر، وهذا ما يتضح أن أغلب الحالات المصابة بالسعودية كانت للقادمين من دول أخرى.
كبائن الطائرات حسب بعض الدراسات من أكثر الاماكن تلوثًا، بل إن مقعد وجيب مقعد الطائرة للأسف يعد أكثر تلوثًا من دورة مياه الطائرات. فوجودك في مكان مغلق يعرضك أنت والمرافقين من زوجة وأطفال لخطر حمل الفيروس. عند الوصول للسعودية وحسب الإجراءات الوقائية فهناك اختبار لكل القادمين مع حجر احترازي لمدة 14 يوم، وهو ما يتطلب إجراءات إضافية في التعامل مع عدد كبير، مع تكاليف مالية لإجراء الاختبارات واستخدام أدوات طبية للاختبار وتوفير أماكن للحجر مع تدفق أعداد كبيرة، وفي حال وجود نتائج إيجابية، وهو المتوقع خلال السفر، يكون الإجراء هو العزل الطبي في المستشفيات، وفي حال وجود أعراض طبية متفاقمة يكون عندها الاحتياج الإضافي لسرير وأجهزة تنفس، وكلها ضمن مخاطر الإجلاء الطبي من المناطق التي ينتشر فيها الوباء.
لا ننسى الضغوط النفسية للقادمين أو اهاليهم في السعودية التي قد تعاني منها الأسر عند الوصول من إجراءات الحجز الوقائي، او في حال لا سمح الله وجدت حالات مصابة.
الإمكانيات الداخلية لكل دولة من مستشفيات وأماكن عزل وأجهزة طبية هي محدودة في كل الدول، وفي حالات الطوارئ والكوارث تكون هناك أولويات استراتيجية للتعامل مع الأزمات وتوفير كامل الاحتياجات للمواطنين والمقيمين داخل الدول والاهتمام بالرعايا بالخارج.
غالب المبتعثين الطلاب متزوجين ولديهم اطفال ومعظمهم لا يملك منزلا داخل السعودية بسبب وجوده مبتعثا، كما كان حالي عند ابتعاثي، قد تكون عائلة الزوج في مدينة وعائلة الزوجة في مدينة أخرى، فيضطر العائدين إلى الانفصال المؤقت خلال فترة العودة التي لا تعرف مدتها وهو ما يزيد الضغط على الأسر والعوائل داخل كل منزل. في خيارات التباعد المجتمعي وطرق الوقاية والاحترازات بوجود أعداد اضافية في كل منزل مع ضغط زيادة المصاريف المادية على الأسر.
إذا لم يتحدد تاريخ لعودة الحياة إلى طبيعتها، قد تتجه الملحقيات إلى إيقاف المكافآت المالية على الطلاب العائدين إلى السعودية بعد أول شهر مما يزيد الضغوط المادية والديون على المبتعثين.
وأخيرا، كل مبتعث يستطيع تقيم وضعه العائلي والمادي واتخاذ القرار المناسب بعيدًا عن العاطفة وبعيدًا عن زيادة الضغط على السفارات بالخارج في طلب العودة أو الخوف والهلع على أنفسهم وأسرهم وإتباع الارشادات الوقائية في دول الابتعاث والبقاء في المنازل، وضمان استمرار الابتعاث وعدم التعرض لأي ظروف مع الجامعات، لا سيما وسفارات خادم الحرمين الشريفين ولله الحمد موجودة في كل الدول التي يتواجد بها سعوديين، وفي ظل الإمكانيات الطبية بالخارج تقدم لهم كل دعم معنوي ومادي.
ختامًا، اعقلها وتوكل على الله في إتخاذ قرار الإجلاء أو البقاء.
كلام رائع ومنطقي ولايخالفة الا جاهل بالواقع