الرأي
(أخبار الأيام)
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عندما فاز المغني الأمريكي الشهير (بوب ديلان ) عن كتابه (أخبار الأيام) بجائزة نوبل للآداب عام 2016 ، بدأ بعض المثقفين بتبادل التعازي والأسى على مصير الثقافة.. والبعض أعلن مقاطعة أخبار نوبل للآداب ثأراً و ردعاً ، ولأننا نعجز أن نرى للإنسان أكثر من صورة ومعنى فإننا نجمدة في الصورة الأولى له وكأن حياته لم تكن إلا هي !!
الكل كان يطلق أحكامه دون أن يقرأ صفحة واحدة من الكتاب ، دون أن يقترب للحظة واحدة من حياته ، دون أن ينظر لقوة التأثير المتجلية في أعين القراء هناك !!
*تبدأ رحلة بوب ديلان في عام 1961 عندما وصل إلى نيويورك ، حاملاً أحلامه الغامضة …. (لم أكن أعرف روحاً واحدة في هذه المدينة الكبيرة المتجمدة ، لم يكن المال و الحب هو ما أبحث عنه ، كان لدي إحساس عالي بالوعي ، وكنت عنيداً وغير عملي ، ورؤيوياً كذلك ، كان ذهني قوياً مثل مصيدة ولم أكن بحاجة إلى ضمان أو سريان مفعول).
في هذه المدينة الغريبة عنه كان يقلب نصائح جدته دائما ويقطع بها أوقات الحيرة واليأس أحياناً ، فتأتي كفجر يذيب ثلوجها …. ( كانت جدتي مفعمة بالنبل والطيبة ، وأخبرتني ذات مرة أن السعادة ليست على الطريق إلى أي شيء بل إنها هي الطريق . أوصتني أيضا أن أكون لطيفاً لأن كل شخص سوف تقابله ستجده يخوض معركة ما ضارية )
(هناك أناس لن تنجح أبدا في كسبهم إلى جانبك ، انس أمرهم، ودع الأمر يتآكل ويختفي وحده ) .
كان بوب عاشقا للكتب وهذا ما نهش وحدته وجعلته أكثر الأشخاص اكتفاء في مدينة لم تلحظه…. يهذي بها في كل صفحات أخباره .. (كنت دائم العودة إلى الكتب أنقب فيها مثل عالم آثار …الكتب تجعل الغرفة تنبض بطريقة قوية …إن الكتب شيء حقيقي حقيقي بصدق).
قرأ في التاريخ والفلسفة والأيدلوجيات السياسية والروايات والسير . أشياء تجعل عدستي عينيك تتسع من الدهشة. كتب مثل كتاب فوكس عن الشهداء و القياصرة الإثني عشر ومحاضرات تاسيتوس وكتاب ثوسيديديس الذي تعمق في الطبيعة البشرية وكيف أنها تناصب العداء لكل ماهو سامٍ ورفيع، كيف أن الكلمات في زمنه قد تغيرت عن معناها الأصلي وكيف أن الأفعال والآراء يمكن أن تتغير في طرفة عين .
قرأ لغوغول وبلزاك وموباسان وهوغو وديكنز و روسو باحثاً عما لم يحظ به من التعليم النظامي ، عشق فوكنز ككاتب متمكن ، و شعر ان ماغنوس كاتب لا يستطيع النوم يقوم بالكتابة في وقت متأخر وقد التصقت ملابسه بجسده الدبق.
إنه الغرق التام لقارىّ يتسلل إلى مشاعر الكاتب وحالته الكليه ليشعر بأرقه والتصاق ملابسه وتعبه في منتصف ليلة رحلت منذ سنين . إنه الاقتراب الحقيقي و الإحساس العميق المرهف.
وللكتب الروسية على رفوفه حضورٌ داكن على نحو خاص فقرأ قصائد بوكشين و روايات ليو تولستوي و دستويفسكي..وأصدر أسطوانة كاملة مستوحاة من قصص تشيخوف !
أحب بوب القصص على وجه خاص فكان إدغار رايس بوروز و ليوك شورت و جولز فيرن كتابه المفضلين في هذا النوع .
وعندما تقلب هذه الأسماء كلها وتسأله بشكل عشوائي …. لما أحببت بلزاك مثلاً؟
يجيب (كان ظريفاً جداً ، وفلسفته واضحة وسهلة ، وتقول ببساطة إن المادية المحضة تقود للجنون . يبدو أن المعرفة الوحيدة بالنسبة لبلزاك هي الخرافة. كل شيء يمكن أن يخضع للتحليل .احشد طاقتك هذا هو سر الحياة ، من المبهج ات تحظى به كرفيق لك ، انه يرتدي ثياب راهب ويحتسي مالايحصى من فناجين القهوة ، تعلق النار في ثيابه من شمعه ما . فيتساءل إن كانت النار شيئاً جيداً . إن بلزاك كاتب مرح .
وماذا عن مكيافيللي؟
اعجبت به كثيراً . معظم ما قاله مكيافيللي كان يحمل مغزى، لكن بضعة أشياء بدت لي نافرة_ مثلاً حين قدم الحكمة التي تقول أنه من الأفضل أن تكون مهاباً على أن تكون محبوباً ، وهو ما يجعلك تتساءل إن كان مكيافيللي يفكر تفكيراً عميقاً حقاً .أعرف ما كان يعنيه ، لكن أحيانا في الحياة ، قد يوحي شخص ما محبوب بخوف لم يحلم به مكيافيللي على الإطلاق.
لم يكن بوب يقرأ بطريقة عادية أو جمالية بل بطريقة حياتية ، مؤمن بقوة الأدب الواهبة للحياة ، ولم يكن خارج الحركات الأدبية بل شاهد عليها .
ولم يكن ليعتمد على النقاد لإيصال حكايته كما قال .
فلكل إنسان جواهر وأيام وإن كان يحمل قيثارة لخمسين عاما .