الرأي
متحف محمد بن إبراهيم بكر
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عرفت الإنسان محمد إبراهيم بكر لفترة تزيد على عقود ثلاثة، حين رافقتُ بطريق الصدفة شيخي: عبدالرحمن الطيب الأنصاري، وأحمد بن عمر الزيلعي، في زيارة رسمية وبدعوة كريمة من الإنسان “محمد بن إبراهيم بكر”، كنتُ ثالثهما بعد اعتذار أخي العزيز الدكتور “عبدالعزيز بن سعود الغزي” عن مرافقتهما.
ويظهر أن لطبيعة مشاركتي آنذاك- والتي كانت عن نقوش نبطية من منطقة الجوف. دورًا في طلبه -رحمه الله- العمل بالمعهد العالي لحضارات الشرق الأدنى القديم لمدة عام؛ وفيه تعرفتُ عن قرب على شخصية هذا الإنسان “محمد بن إبراهيم بكر”، فوجدته شخصية مختلفة كليًا في خلقه وتعامله وحنيته وأبوته. فهو من الشخصيات النادرة جدًا في مصر الذي لا يتحدث عن نفسه والذي لم يلق المكانة الحقيقية في مجتمعه. وتأكدتُ من هذه الصفة النادرة بيننا هذه الأيام- بعد عودتي إلى الشيخ “جوجل” لأتزود ببعض المعلومات، فلم أجد له موقعًا أو صفحة في الشبكة العنكبوتية؛ المليئة بسير ذاتية لعشرات الأساتذة الذين يقلون عنه علمًا وخلقًا.
وما لفت انتباهي أن هذا الرجل الذي رحل بهدوء كما عاش حياته بهدوء أنه لم يعط وسائل الإعلام مكانة في حياته التي سيرها بخلقه العربي الأصيل المتسلح أن شاء الله بالفكر الإسلامي الطيب السمح، فأمران تميز بهما “بكر” -غفر الله له- تمثلا في ابتسامته الدائمة على محياه والتي لا تفارقه أبدًا في كافة الأحوال والظروف، حتى أنك تتخيل أنه يظل مبتسمًا وهو نائم؛ وثانيهما عفة لسانه -النادرة هذه الأيام- فلا تسمع منه إلا الكلم الطيب ولا تفوح منه إلا الريحة الطيبة، فلم يتعود مثلنا في المجتمع الأكاديمي- على القيل والقال المتفشية بشكل واضح بيننا.
ولأنه -في تصوري، ولا أزكيه على الله- رجل بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى من طيب الخلق والمعدن، فلم يستمر طويلاً في عمله رئيسًا لهيئة الآثار المصرية لأكثر من ثلاث سنوات (90- 1993م). ولو كان من إياهم لاستمر سنوات وسنوات، لكنه -رحمه الله- عفيف اليد واللسان سمح الخاطر.
ما أجمل أن يودع الإنسان هذه الدنيا الفانية وسمعته مثل الجنية الذهب بسبب خلقه وتعامله الطيب وصدق مشاعر من عرفه أو سمع عنه، ما أجمل أن تفارق الحياة أيها العبد- ولك من الأبناء من غير صلبك من يدعو لك ويقدر فعلك، فهم شهداء يوم الحساب على حسن ذاتك.
ولعلي أضيف هنا -وقد أكون مخطئًا- أن “بكر” مع ما تميز به عن غيره من أقرانه، إلا أنه لم يحظ بشكل كاف بتقدير مستحق من زملائه في المهنة أو من الإعلام، وقد يعود هذا إلى شخصيته المختلفة التي تميل إلى الهدوء والسكينة؛ لذلك آمل أن يسمح ليّ أخوتي وأحبتي في المعهد العالي لحضارات الشرق الأدنى القديم، في جامعة الزقازيق، وهم أهل الوفاء وأصحابه الأساتذة الأجلاء: محمود عمر سليم، عبدالعزيز أمين، هالة يوسف، محمد فوزي الشايب، محمد عادل عبدالعزيز، محمد حمدي.. إلخ) مع العميد الحالي للمعهد الأخ العزيز “عبدالله كامل” اطلاق اسم “محمد إبراهيم بكر” على متحف آثار بسطة الذي أسسه المرحوم بأذن الله- ليكون: “متحف محمد بكر لآثار بسطة”، تقديرًا لدوره الطيب ليس فقط في تأسيس المعهد، بل في خدمته الواضحة لجامعة الزقازيق، التي أسس فيها أيضًا قسم الإعلام.
والأمر أيضًا للأخوة والأخوات الأفاضل من منسوبي “كلية السياحة والآثار”، التابعة لأعرق الجامعات الأهلية في مصر حاليًا “جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا”، الذين عرفوه عن قرب، أمثال أستاذتنا الجليلة “آمال بنت محمد الروابي” والفاضلة عميدة الكلية الأستاذة الدكتورة “أميمة السيل”، في إطلاق اسم متحف الكلية المزمع تأسيسه قريبًا ليكون “متحف محمد بكر”. فإن كان فهمي صحيحًا، فان للمرحوم “بكر” دورًا مفصليًا في تأسيس كلية السياحة والآثار بها.
كما أني أتمنى من أخي العزيز “محمد بن محمد الكحلاوي” العربي الشهم بصفته أمينًا على اتحاد الآثاريين العرب تكريمه بما يليق بهذه الشخصية الطيبة.
رحم الله الدكتور الإنسان محمد بن إبراهيم بكر وتجاوز عنه وعنا وجعل قبره روضة من رياض الجنة.