الرأي
روادٌ و نقادٌ
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
من خلف تلك الأيام البعيدة – البعيدة جداً – حتى ظننا أن لن يبعث الله من خلفها صوتاً …. نلتقي بهم ، محملين بكل أوجاع الماضي ( إتهام ، رفض ، تخوين ، تكسير ، تهميش ) تحت مسمى النقد !! وعندما وصلوا للحاضر بعد حروب بلا غنائم !! تلبسهم وجع الإهمال والتهميش ، حتى تلك الليلة … ليلة اجتمع فيها شعراء وكتاب ونقاد يعلوهم شعار وزارة الثقافة الداعي للجمال بألوان الحياة كلها …يستقبلك و يودعك منسوبي وزارة الثقافة شباب وشابات بكلماتهم العذبة و حماسهم الوفير…ويارب أبعد كل ناقد عن مقالي حتى لا يدعك كلمة وفير بلونه الأحمر ليكتب وافر ، وينظر لي كشيء لا يجب أن يكون موجودا ..
* ولأن الحياد هروب أنيق فقد كنت في صف الكتاب والشعراء ، أما النُقاد فالعالم كله في صفهم .. العالم كله ناقد …
وحتى أكون أكثر إنصافا ؛ النقد الأدبي لا يملك قواعد معينة بل متغيرة غير ثابتة و يخضع لمزاجية الناقد في أحيان كثيرة ، وأهداف ليست نقية في الغالب !
يعتقد أن له الحق في تغيير قواعده ثم تجده يفتت الأديب عندما يأتي بلون خاص به !!!
وماهي قواعده أصلا؟؟!
يقول “فور ستر”: “المقاييس النقدية تجعلك شاعراً بعقدة الذنب تجاه أعمال سيئة فعلاً ومليئة بالادعاء”.
يقدم لك الناقد عملاً أدبياً مكتمل القواعد بلا رائحة ولا لون ولا طعم ويريدك أن تبتعله بلا نقاش بل ويجبرك على التصفيق…
أما الأعمال الأدبية العظيمة على مر التاريخ فلم تسلم من تسلق النقاد عليها أو محاولة سحقها لكن العمل الأدبي النقي يفرض نفسه بنفسه ولا يحتاج لقلم أحمر يهزه الناقد أكثر من مةه حتى يعود به لتشريح النص …. أو رف الأكثر مبيعاً !!
الناقد عندما تسأله لما لا تعجبك هذه الرواية أو هذه القصيدة ؟
سيملي عليك زخرف القول غرورا إلا قليل منهم ..
والحقيقة كلها تكمن في.. ولِمَ تعجبني هذه الرواية أو هذه القصيدة ؟!
* كانت بجانبي صديقتي الكاتبة نوف الحسين ، تقاسمنا دهشة اللقاء ، وأمنيات انتصار ساحق للكتاب والشعراء حتى جاء صوت الدكتورة الناقدة رانية العرضاوي بكل عمق الثقافة والنقد والحب قائلة:
(الناقد الحقيقي الذي يستطيع أن يردم الفجوة بين التراث الأصيل والأدوات النقدية المعاصرة الحديثة ، الناقد الحقيقي لا يمسك قلما أحمر ويضع تصويبات ويقول أفعل ولا تفعل هذا سجان لا نريده بيننا أبدا ، لأن المبدع من حقه أن يكتب بلا سقف ، هو يكتب تحت عنان السماء ، المبدع له الحق أن يكون حراً طلقاً ، حتى يخرج لنا تلك القطعة الأدبية التي تساعدنا على التطهر من الأحزان حتى نبكي معها أو تجاوز أزمة نفسية ونضحك معها أو نعيش حالة الحب بشكل مختلف … ) قطع حديثها العذب موجة تصفيق حارة ….ثم انتقلت للحديث عن نقد النقد ، حتى تذكرت أحمد خالد توفيق في كتابه “اللغز وراء السطور” …كتب بشكل رائع كعادته عن الموضوع عينه .
* لم تكن أمسية عادية إطلاقا كانت مذهلة رائعة ، امتزجت بها نيران عبده خال الساخرة الدافئة ، ليأخذنا لتساؤلات عميقة ونحن نضحك …لِمَ لا يكتب الناقد رواية ؟
لتخرج لنا “الغاوية” و”فسوق” و”ترمي بشرر” بلا ناقد .
” أنا لا أقرأ للنقاد… ولم يسبق أن قرأت لناقد … ولا أستمع لنقدهم… للروائي ذائقة خاصة كاللوحة التشكيلية يرسمها الروائي كما يشاء هو، وليس كما يشاء الناقد”
لكن الناقد القدير محمد العباس لم يأت ليصفق معنا ويلحق النقد هزيمة مدوية في ليلة ثقافية لا تنسى …
ليقول للروائي القدير عبده خال: أنت بلا ذاكرة !!
*استمرت السجالات بين الرواد والنقاد ليأتينا صوت دافئ ودفين من أعماق تلك السنين الأستاذ الشاعر محمد جبر الحربي مناديا للحب …. الحب هو كل ما نحتاجه ..
حاربتُ بالحبِّ حتى عادَ مُنتصِرَاً
لا يُهزَمُ الحُبُّ.. طبعُ الحُبِّ غلَّابُ
فانتصرنا معه للجمال والإبداع والحب والشعر .
*وكان لنا نصر آخر مع القاص حسين علي حسين رائد القصة القصيرة وعبقريها… أيوب الروايات السبع التي منعت حتى العام الماضي…. لتشرق رواية (السويدي) ملوحةً لنا هناك أخرى و أخرى ورائي ..
ويعود النقد مرة أخرى بصوت رقيق مع أ . حليمة مظفر كضرورة أدبية… لا غنى عنها .
الشكر لوزارة الثقافة على هذه الأمسية الرائعة التي وبلا شك تثري المشهد الثقافي وتغذية.
و للشاعر محمد عابس الذي أدار الحوار بمكر لذيذ ليشعل بأسئلته المعاكسة والمشاكسة نور الثقافة و نارها لينقل الحوارات إلى مناورات ومن مناورات إلى حوارات لينهيها بانتصار كلي لكل من تحدث و حضر .