سلطان الخير.. من حياته لبعد مماته

“نساعدهم ليساعدوا أنفسهم”.. بهذه الكلمات تستقبل مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية زوارها و مرضاها، مدينة هي تجسيد لهاجس كان يقلق أمير الخير، الأمير سلطان بن عبدالعزيز – رحمه الله – فحوله إلى واقع حي يشغل مساحة 1,200,000 كم مربع. هدف هذه المدينة هو تأهيل من أكرمه الله بنعمة الحياة ثم أعطاه فرصة تحدي النفس بأن يستمتع بهذه الحياة بأسلوب مختلف.

وبالرغم من بعد موقع المدينة عن مدينة الرياض، إلا أن موظفيها على أتم الاستعداد والحماس للتنقل يومياً لسمو الرسالة التي يقدمونها ، وبالرغم أيضاً من صعوبة الحالات التي تستقبلها المدينة، إلا أن الزائر يشعر بذبذبات سعادة و هو يتمشى في أروقة العيادات والمستشفى، ذبذبات يطلقها الموظفون ومقدمو الخدمات الصحية، منهم من كان يوماً ما مريضاً يتعالج في هذا الصرح الإنساني النبيل.

بسعة سريرية تصل 511 سريراً، وفي طور التوسعة في المستقبل القريب، تقدم المدينة خدمات تأهيلية لذوي الإحتياجات الخاصة و من تعذر عليه الحصول على الرعاية المطلوبة في مكان آخر. إذ فاق عدد المستفيدين من خدمات المدينة 1,100,000 مريضاً منذ افتتاحها عام 2002. تقدم المدينة قائمة مطولة من الخدمات التأهيلية والتي تتعدى حدود هذا المقال، لكن ما يميزها فعلاً هو بعض البرامج العلاجية المقدمة حرصاً منها على الجانب التأهيلي النفسي بالإضافة إلى الجسدي مثل برنامج العلاج بالألوان، برنامج العلاج بالفروسية بالتعاون مع إسطبل الخالدية، و برنامج التعليم بالرمي بالتعاون مع الاتحاد السعودي للرماية. إضافة إلى ذلك، فإن المدينة هيأت ما تسميه بالبيوت الانتقالية التي يعيش فيها المريض لفترة مؤقتة يتم فيها تأهيله للحياة بعد خروجه منها.

الجميل في الموضوع والجدير بالذكر أن خدمات المدينة تعدت حدودها الجغرافية. فعلى الصعيد المالي مثلاً، تعاقدت المدينة مع جهات حكومية وخاصة لتضمن تمكن المرضى من جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية بل ومن جميع الجنسيات كذلك من الحصول على الرعاية متى ما استدعت حالتهم الصحية، والأهم من هذا كله هو التكلفة التي تقدم بها المدينة خدماتها الصحية و التي تنافس بها الكثير من المنظمات الصحية كبادرة منها للمساعدة والإسهام بخفض أسعارالخدمات الصحية في المنطقة.

أما على الصعيد الخاص، فيقوم منسوبو المدينة بزيارة مدرسة المريض إذا كان طالباً أو مقر عمله إذا كان موظفاً ليقيموا بيئة الدراسة أو العمل ويقدموا التوصيات المطلوبة والتي من شأنها تسهيل الدراسة أو العمل على المريض والأداء بكفاءة.

جميل أن يتحول الحلم إلى حقيقة لكن الأجمل عندما يكون الحلم خدمة و رعاية ذوي الحاجة.. بث الأمل في أرواح ذبلت بتلاتها، رسم الابتسامة على وجوه انطفأ وميضها، إعادة البريق في أعين غرقت بدموعها. مات سلطان الخير – رحمه الله – لكن حلمه لا يزال حي يرزق. كل كلمات الشكر والامتنان لن تكفي صاحب هذه الروح الطاهرة، لكن ندعو بالتوفيق والسداد لأولاده الذين حملوا الراية من بعده ليستمر خير سلطان من حياته لبعد مماته.