السماء لا تمطر سلاحاً على الحوثي!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يبدو العالم منقسماً أمام الدعوة التي أطلقتها واشنطن، في اتجاه تشكيل تحالف دولي عسكري يحمي ناقلات النفط في الخليج العربي، ضد أي تهور يمكن أن ترتكبه إيران!
ويتوزع العالم أمام الدعوة إلى ثلاثة مستويات واضحة؛ أما أولها فهو الاستجابة الفورية دون نقاش، ولا بد أن بريطانيا أبرز مثال على هذا المستوى، وهذا ليس مستغرباً ولا مفاجئاً على كل حال؛ لأن العلاقة بين البلدين تجعل استجابة لندن للدعوة الأميركية خطوة في سياق واحد ممتد ومتصل بينهما. وإذا ما كان رئيس الوزراء في العاصمة البريطانية هو بوريس جونسون، الأقرب شكلاً وموضوعاً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن مثل هذا السياق يترسخ ويتأكد!
وربما يكون احتجاز ناقلة نفط بريطانية في ميناء بندر عباس الإيراني، على يد قوات «الحرس الثوري» الإيراني الذي يتبع المرشد خامنئي مباشرة، عاملاً مساعداً في الاستجابة البريطانية للدعوة بمجرد إطلاقها، ولكن احتجاز الناقلة ليس العامل الرئيسي في الغالب!
فالعامل الأساسي هو أن بريطانيا تظل البلد الأوروبي الأكثر قرباً من الولايات المتحدة، سواء قبل ترمب، أو بعده، أو في أثناء إدارته الحالية!
والمستوى الثاني للمشاركة في التحالف، هو المشاركة بتحفظ، أو المشاركة ولكن بأسلوب خاص، وكانت اليابان هي الأبرز على هذا المستوى، عندما أعلنت هذا الأسبوع أنها قد ترسل طائرات تقوم بتنفيذ دوريات لحراسة سفنها في مضيق هرمز، وأنها لو أرسلت سفناً حربية فسترسلها بشكل مستقل، وليس تحت قيادة الولايات المتحدة، خشية الوقوع في مواجهة عسكرية مع إيران!
وهو منطق غير مفهوم من جانب طوكيو؛ لأن معناه أن إيران إذا استهدفت سفناً في الخليج فستستهدف السفن الأميركية فقط، أو المتعاونة معها والمنضوية تحت لواء قواتها وحسب، وهذا بطبيعته غير صحيح، وغير دقيق، فالقوات الإيرانية تتطلع إلى كل قوة تقف في طريق رغبتها في الهيمنة على المنطقة وعلى الخليج، باعتبارها عدواً حتى يثبت العكس!
والمستوى الثالث تجسد في ألمانيا، التي قالت بشكل واضح إنها لن تشارك في قوة تقودها الولايات المتحدة. قالت برلين ذلك على لسان وزير خارجيتها دون أن توضح السبب، ولم تذكر شيئاً عما إذا كان السبب هو نفسه مبرر اليابان، أم أنه استنكاف عن المشاركة في تحالف تكون واشنطن فيه هي القائد الذي يشير ويقول!
ولا يزال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يتنقل بين عواصم العالم، على أمل أن يحشد أكبر عدد ممكن من العواصم للمشاركة في التحالف!
والحاصل أنه تحالف محمود لا شك، إذا تطلعنا إليه في إطاره الطبيعي، وفي إطار الرغبة القوية لدى الولايات المتحدة في تأمين الملاحة في الخليج، الذي لا يزال الشريان الأهم لمرور نفط المنطقة إلى العالم. أما ما هو خارج هذا الإطار فيحتاج إلى نقاش جاد!
نقاش يصارح الدول التي تسارع إلى تأمين ناقلات نفطها في الخليج، بأن تأمين الناقلات إذا كان أمراً مهماً، وهو مهم طبعاً، فإن تأمين المنطقة نفسها التي يتدفق منها النفط نفسه يبقى مسألة أهم؛ لأن المنطقة تمثل الأصل في الموضوع، ويمثل النفط فرعاً عنها، وبالتالي، فتأمين الأصل يجب أن يحظى بأولوية، دون أن ينال ذلك من تأمين الفرع في شيء!
إن تجربة الفترة الماضية أشارت إلى أن حقول النفط في شرق السعودية على سبيل المثال، كانت هدفاً للصواريخ الصبيانية التي تطلقها الجماعة الحوثية على المملكة، وفي مرحلة من مراحل الاستهداف جاءت طائرة مُسيًرة واستهدفت حقلاً من حقول الشرق السعودي، وقيل كلام كثير عن المكان الذي جاءت منه الطائرة، ولكن ذلك لا ينفي أن اليد التي لا تزال تضغط على الزناد في استهداف أبها مثلاً، كمنطقة وكمطار، كانت يداً حوثية في كل المرات ولا تزال!
ولأن إيران تتحاشى إلى الآن الدخول في مواجهات مباشرة، فإنها تمارس ذلك بالوكالة من خلال أصابعها الممتدة في المنطقة، وليست جماعة الحوثي إلا إصبعاً من تلك الأصابع. فما هي الحكمة في تأمين النفط الخارج من الخليج عبر المضيق، بينما الجماعة تفكر في استهداف حقول هذا النفط ذاته في كل نهار؟!
وفي صباح الاثنين من هذا الأسبوع، أعلن تركي المالكي، المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، أن القوات الجوية السعودية وقوات الدفاع الجوي السعودي، اعترضت وأسقطت طائرات من دون طيار، أطلقتها جماعة الحوثي الإرهابية باتجاه مطارات مدنية!
بالله، من أين لجماعة بدائية تعيش بين الجبال في اليمن، مثل الجماعة الحوثية، أن تأتي بطائرات من هذه النوعية، وعلى هذا المستوى من القدرة على التصويب والاستهداف؟! وهل ننسى أن نيكي هايلي، مندوبة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، وقفت في مؤتمر صحافي عقدته في بلادها ذات يوم، وفي الخلفية من ورائها بقايا صاروخ أطلقه الحوثي في اتجاه الأراضي السعودية، وعلى الصاروخ ما يشير إلى علاقة إيران بتصنيعه، وبالتالي توريده إلى الجماعة في أراضي اليمن؟!
لا أحد يستطيع نسيان هايلي وهي واقفة، بينما الصاروخ يملأ المشهد من ورائها، والعالم يتفرج ثم لا يذهب لما هو أبعد من الفرجة!
وعندما تحشد واشنطن من أجل توفير ممر آمن في الخليج لناقلات النفط، فهذا طبيعي، وهذا من حقها، غير أن اتجاهاً آخر لا بديل عن الحشد فيه بالتوازي، هو اتجاه وقف وصول السلاح الإيراني إلى جماعة الحوثي، وتجفيف منابع المدد الذي يتواصل إلى الجماعة من طهران!
فالسماء لا تمطر سلاحاً على جماعة الحوثي، ولا هي تحصل عليه من الجن تحت الأرض، ولكنه يأتيها من شواطئ اليمن على امتدادها، أو من إمدادات المطارات عبر الجو، ولا توجد قناة ثالثة يصل منها السلاح!
ولأنه لا توجد قناة ثالثة، فالبحر هي الذي تأتي منه الإمدادات ومعه الجو، وأي رغبة جادة في وقف العبث الإيراني في اليمن، تبدأ بإحكام الرقابة على الشواطئ والمطارات اليمنية، فلا يمر منها مخلوق قبل التحقق من شخصيته، وعندها سوف تنكشف الجماعة، وسوف تتوقف عن إطلاق صواريخها على المدن في السعودية، ليس عن زهد منها أو رجوع إلى الصواب، ولكن لأنها لن تجد شيئاً تطلقه!
كل حشد لا يعمل على خنق الحوثي جواً وبحراً هو كلام في التفاصيل، وكل حشد يسعى إلى توفير الممر الآمن للنفط الخارج، وفقط، هو أيضاً كلام في التفاصيل!
سليمان جودة
نقلاً عن جريدة (الشرق الأوسط)