الجميلات الأربع والوحش في واشنطن
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
منذ أسابيع يستثمر الرئيس الأميركي نصف وقته على مهاجمة أربع نساء ديموقراطيات ملونات، وربع وقته على مهاجمة الصين والربع الباقي على تحذير إيران. توزيع وقت الرئيس بهذه النسب ليس اعتباطياً وتحكمه الأولويات الانتخابية ثم الاقتصادية ثم الإسرائيلية.
السيدات الديموقراطيات الأربع عضوات في المجلس النيابي الأميركي، ثلاث منهن أميركيات بالولادة وواحده بالتجنس. ليست بينهن واحدة من أصول عرقية بيضاء أو صفراء. من المشكوك فيه أن أي واحدة منهن قالت أكثر مما يقوله ويكتبه ويغرّد به الحقوقيون الأميركيون الكثيرون. لو لم يكن وراء الحوار المأزوم بين الرئيس والجميلات الأربع شيئاً مسكوتاً عنه لأمكن التعامل بسهولة مع أطروحاتهن في جلسات الكونغرس وفي السوشيال ميديا، ولأصبح الأمر ضمن المألوف لسعة الصدر الأميركي للحوار الداخلي. المسكوت عنه داخل البيت الأبيض والحزب الجمهوري هو الإلحاح على شحذ همة الناخب الأميركي الأبيض لاستعادة أميركا القديمة، أميركا ما قبل الحقوق المدنية أيام سيطرة سيندروم الأبيض الأنجلوساكسوني البروتستانتي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الملاحظ أن الحزب الجمهوري حزب الرئيس يشبه المستمتع الصامت بالحوار بين الجميلات والرئيس ولكن ذلك يسهل فهمه. ما قد يكون عسيراً على الفهم هو تعامل الحزب الديموقراطي المنافس بنصف قلب للدفاع عن ديموقراطياته العضوات الأربع، وخصوصاً صاحبة اللون الداكن. قد يسهل فهم فتور حماس الحزب الديموقراطي في الدفاع عن عضواته الملونات لسببين، الأول إدخال الحزب الديموقراطي حسابات منافسة الجمهوري نفسها لكسب الناخب الأبيض، والثاني وجود سيناتورة ملونة اسمها كاميلا هاريس من كاليفورنيا، أثبتت في المناظرة العشرينية السابقة بين المرشحين الديموقراطيين كفاءة قيادية أخافت منافسيها البيض من الحزب نفسه.
في الحوار المأزوم بين الرئيس والجميلات الأربع ركز هذا على اتهامهن بكره أميركا وإسرائيل، وعلى واجب تقديمهن الاعتذار ليس لأميركا فقط بل ولإسرائيل كذلك. الهدف واضح، كسب اللوبي الأكثر تأثيراً في الإعلام وتمويل الانتخابات الأميركية لصالحه. هذا الربط المكشوف جعل بعض القياديين الأميركيين اليهود يحذّرون من ظاهرة استغلال تهمة «اللاسامية» من قبل البيت الأبيض لمصالح انتخابية، لأنهم يعلمون بوجود «لاساميين» عنصريين بداخله، لكن هؤلاء يستعملون تهمة «اللاسامية» واليهود كدروع بشرية في دعايتهم الانتخابية. صديق الرئيس ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لم يعلّق حتى الآن، لكن حكومته تؤجل وتماطل في الموافقة على طلب تأشيرة زيارة لإسرائيل مقدمة من النائبة ذات الأصول الفلسطينية وزميلتها ذات الأصول الصومالية، والتي عللتاها برغبة الاطلاع على أحوال الإسرائيليين والعرب في فلسطين، وأن طلبهما هو نفس ما كان يسمح به لبرلمانيين أميركيين كثيرين من قبل. الطلب رفض أو أجل باعتبار أن كل برلماني أميركي زار إسرائيل سابقاً كان صديقاً علنياً لها، أما النائبتان رشيدة طليب وإلهان عمر فيرغبان الاطلاع الواقعي على أحوال السكان والمقارنة، وذلك يشكل كابوساً للدولة اليهودية.
الذي سيحدث للديموقراطيات الأربع في حالة فوز الرئيس ترامب في الانتخابات القادمة لن يكون مثل النهاية السعيدة لصراع الجميلة والوحش في القصة الخيالية المعروفة، بحيث استطاع الجمال والرقة والإنسانية ترويض القوة الكاسرة.
منذ أسابيع يستثمر الرئيس الأميركي نصف وقته على مهاجمة أربع نساء ديموقراطيات ملونات، وربع وقته على مهاجمة الصين والربع الباقي على تحذير إيران. توزيع وقت الرئيس بهذه النسب ليس اعتباطياً وتحكمه الأولويات الانتخابية ثم الاقتصادية ثم الإسرائيلية.
من المشكوك فيه أن أي واحدة من السيدات الديموقراطيات الأربع عضوات في المجلس النيابي الأميركي قالت أكثر مما يقوله ويكتبه ويغرد به الحقوقيون الأميركيون الكثيرون. لو لم يكن وراء الحوار المأزوم بين الرئيس والجميلات الأربع شيئاً مسكوتاً عنه لأمكن التعامل بسهولة مع أطروحاتهن في جلسات الكونغرس وفي السوشيال ميديا.
د. جاسر الحربش
نقلاً عن جريدة (الحياة)