انقطاع الكهرباء… وقاحة موظف، وألم مواطن، وتقاعس إعلامي مقزز!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الكهرباء بكل تأكيد هي عصب الحياة، وأهميتها في ارتباطها الكاثوليكي الوثيق بحياة الناس، فانقطاع التيار الكهربائي ولو لمدة محدودة يعني إصابة المجتمع بالشلل التام. لذلك ينال هذا القطاع الاهتمام والرعاية من كبار رجال الدولة في مختلف دول العالم. فالكهرباء شريان الحياة ولعله دون مبالغة- يجري في المجتمع مثل جريان الدم في العروق. فمقومات الحياة اليومية للإنسان تعتمد اليوم على الطّاقة الكهربائيّة من أجل تشغيلها.
ولكن من أين جاءت هذه الكلمة “كهرباء”، عند البعض أنها كلمة فارسيّة من كلمتين مركّبتين، هما: كاه، ورباي؛ وتعني “جاذب القشّ”، أو “الكهرمان”، وهو الحجر الكريم المعروف. أما في اللّغة العربيّة فتعني “جاذبيّة الكهرمان أو خاصيّة الكهرباء”؛ وإنّ أصلها جاء عندما تبين أنّ حك حجر الكهرمان يولّد طاقة جذب لمواد أخرى في الطّبيعة، مثل الرّيش. والاهتمام -كما فهمت- بـ “طاقة الجذب” يعود إلى عصور موغلة في القدم، فقد لفت المصريين القدماء الطاقة التي تظهر من احتكاك الأسماك، مثل: سمك “السّلور” الذي أسماه الفراعنة القدماء بصاعق النّيل الّذي يحمي بقية الأسماك، لكن الاهتمام الأقرب إلى البحث العلمي كان في اليونان، وتحديدًا في القرن السادس قبل الميلاد عندما قام العالم الإغريقي “طاليس الملطي” بإجراء دراساتٍ على الكهرمان، ولاحظ اكتسابه خاصيّة جذب لبعض الأشياء بعد حكّه بقماش، ولاحظ كذلك انتقاله من خلال مواد موصلة.
واستمر هذا النقاش البسيط حتى عام “1879م” عندما أقدم الأمريكي المولود في ولاية أوهايو (الولايات المتحدة الامريكية) “توماس ألفا أديسون”، وهو مخترع جليل أفاد البشرية بعدد من اختراعاته الهائلة، أبرزها اختراع الكهرباء. والمثير أن هذا الرجل المبدع عانى في طفولته من مشاكل في السمع، ولم يكن موفقًا في دراسته، فقد اضطرت والدته إلى القيام بتدريسه في المنزل، بعد طرده من المدرسة، فأرشدته للكثير من الكتب العلمية التي توسع الخيال وتزيد المعرفة والذكاء، والواقع أن قرار طرده وتولي والدته تعليمه كان ضارًا له في البداية، لكنه أصبح نافعًا للبشرية، فلم تتقيد والدته بالمنهج التقليدي في تعليمه (كما هو في تعليمنا الحالي، الذي يرتكز على على قاعدة الحفظ)، بل منحته ما هو أساس إلى النجاح ودافعه، وهو “الحرية”. فقد اقتصر دورها على تزويده بالكتب المختلفة العلوم والمشارب، فكان أن قدمت للإنسانية عبقريًا فذًا.
لنترك جانبًا “اديسون” الذي كان نتاج مجتمع دفعه وغيره إلى الإبداع، ولنعد إلى حادثة متعلقة بالكهرباء. ففي بداية هذا الشهر (يونيو 2019م) تعرضت ثلاث مناطق تعد -دون شك- من كبريات المناطق في المملكة، إلى انقطاع في التيار الكهربائي، وهذا الأمر ليس لافتًا ومثيرًا، بل مقلقًا ومزعجًا إلى حد يفرض على الجهات ذات العلاقة محاسبة من يقف خلف هذا الانقطاع غير مبرر للتيار، إذ تبلغ مساحة المنطقة الجنوبية “454000 كيلو متر مربع”، وعدد سكانها أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم من منطقة عسير الجميلة بأهلها وبيئتها، وأقلهم في منطقة نجران الحرة الواثبة، التي يعشق أهلها الحرية والاستقلال منذ عصور ما قبل الإسلام. أما جيزان والتي بها ثالث أكبر ميناء سعودي على ساحل البحر الأحمر، فهي سلة غذاء شبه الجزيرة العربية، وليس فقط المملكة العربية السعودية.
أقول ان انقطاع التيار الكهربائي عن هذه المناطق لفترة زمنية زادت على (48) ساعة، يفرض على الجميع مطالبة شركة الكهرباء والقائمين عليها بتحمل تعبات هذا الانقطاع، وأولها ليس فقط إقالة أو قبول استقالة كبارها موظفيها، بل محاكمتهم بتهمة التقصير، لعدة أسباب أبرزها في تصوري، الآتي:
– الوقاحة التي أبداها العاملون في الشركة، فقد أعادوا سبب هذا الانقطاع إلى سوء الأحوال الجوية التي تمر بها البلاد، مقلدة في ذلك، التبرير ذاته الذي تزعجنا به دومًا وأبدًا الخطوط الجوية السعودية- مؤسسة الفكر التبريري الوقح وغير المبرر (وهو بالمناسبة يتكرر كل عام)، فأصبحت “الأحوال الجوية” شماعة للأخطاء والتسيب ومحاولة الهروب من العقوبة. وعندما واجه المجتمع تغريدة الشركة الوقحة بالدليل القاطع، فالأحوال الجوية وأن كانت في بعض المناطق، لكنها لم تكن كذلك على (85%) منها، فاضطر المغرد في شركة الكهرباء إلى إضافة سبب اخر وهو “الربط الكهربائي”.
– أن انقطاعه لم يكن كما نعهده في مدينة الرياض، على الحارات الجنوبية (الشفا والسويدي ..إلخ)، وأحيانًا في حارت الوسط والشرق، بل على منطقة شاسعة تتعدى في مساحتها دول عربية مجتمعة.
– المدة الزمنية غير المعقولة لاستمرار هذا الانقطاع، الذي دون شك يدق ناقوس الخطر على مستقبل “مصاصة الدماء” شركة الكهرباء، بأسعارها التي اثقلت كاهل المستفيد إلى حد كبير، إذ تصورتُ أن اعلان الطوارئ كان أمرًا مطلوبًا، فهذا الحادثة لا تقل دون مبالغة عن أي حادث أمني (تصدت له بكل اقتدار قوات الأمن). والمثير أني لم اطلع على رد فعل من الوزارة ذات العلاقة يحترم مشاعر الناس ويرفع من معنوياتهم، وبخلاف ما شاهدته من اهتمام أمير منطقة عسير “تركي بن طلال”، فلم يتبين لي أي رد فعل من بقية المناطق (قد يكونون خارج المنطقة للاستمتاع بإجازاتهم)، فللأمير المثقف “تركي” كل الشكر على اهتمامه ومشاركته الطيبة -غير المستغربة- عندما تدخل وتواصل مباشرة مع شركة الكهرباء.
– الألم الذي نشعر به جميعا- عندما أطلعنا على توضيح الشركة على موقعها الإلكتروني، أن “المشترك يحصل على تعويض في حال انقطاع التيار الكهربائي لمدة أربع مرات في السنة الواحدة، بقيمة تبلغ 200 ريال”.
وقالت الشركة: إنه “يحق للمشترك رفع شكوى بالإخلال بالمعيار المضمون لتكرار الانقطاع، وينبغي ملاحظة أن المستهلكين، بموجب هذا المعيار، يستحقون تعويضًا لمرة واحدة، كحد أقصى في السنة الميلادية”.
فهل يعقل أن تكون الشركة هي الخصم والحكم؟ لماذا لا تترك التعويضات وتقديرها إلى القضاء، ففي المجتمعات المحترمة (الغربية) يحصل المتضرر على “4” مليون دولار على فقط انسكاب قهوة حارة على جسده.
– تقاعس الإعلام المحلي (المرئي والمسموع والمقروء) المثير ليس للاستغراب بل التقزز، إذ لو انقلب اتوبيس في نيكاراجوا لنشر الخبر في الصفة الأخيرة في أغلب الصحف المحلية، وشاهدناه مرات عدة على التلفاز. أما انقطاع تيار عن مناطق كبرى فكان حسب تفكيرهم لا يستحق الإشارة إليه أو اجراء تحقيقات صحفية عنه.
ألم يكن من واجب التلفزيون السعودي تغطية هذا الحدث تغطية احترافية؟
والواقع مع تخلف الإعلام التقليدي عن القيام بدوره الفاعل، كان لوسائل التواصل الاجتماعي دورها الطيب في كشف المستور وإرغام القائمين على الشركة التصدي لهذا الخلل.
ولهذا فإني أرجو أن ينال القائمين على هذه الأخطاء الجسيمة ما يردعهم، فمن المضحك أن يُقدم مجلس إدارة ناد رياضي على طرد مدربه الذي كلف الملايين لمجرد فشله في مباراة أو أكثر؛ في حين أننا لم نسمع أي تفاعل ولو اجتماع طارئ لمجلس إدارة شركة الكهرباء.