صفقة القرن وفرص السلام الضائع في المنطقة
عندما أنجز الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد واستعاد أرضه وعاش السلام أمرا واقعا، وتفرغ للبناء وإعمار بلده، دون أن يغفل الحقوق الفلسطينية التي اجتهد في تضمينها الاتفاق والعمل مع القيادة الفلسطينية لأجل الدخول في الشراكة السلمية غير أنه لم يجد سوى الرفض والاحتقار، فاضطر لتوقيع الاتفاقية وحده وكسبت مصر السلام إلى يومنا هذا، فيما بقيت القضية الفلسطينية معلقة على زعامات فلسطينية لم تدرك أهمية تلك الخطوة إلا حين تم توقيع اتفاقية أوسلو، وفيها دفع الإسرائيليون ثمنا باهظا بدورهم باغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، ما يجعل المعادلة السلمية قائمة على تقديم التنازلات والتضحيات بدلا من الخطب وعلك جلود البلاغة والأشعار الرنانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وفي ظل الحديث عن صفقة القرن وما يفترض أن تحققه من سلام في المنطقة، فمن الضروري إعادة النظر بصورة واقعية في مقتضيات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بذات الصورة المنطقية التي وقّع بها السادات كامب ديفيد وحقق بها سلام بلاده؛ لأن المحصلة من تلك الاتفاقية هي ببساطة أن الرئيس المصري حقق ما لم يحققه غيره منذ العام 1978م في وقت وجد فيه الرفض والإساءات والشتائم من المحيط إلى الخليج، وبخاصة من الجانب الفلسطيني، ومع ذلك لم يجد الفلسطينيون بعد كل ذلك بسنوات أقل القليل مما كان يمكن أن يكسبوه لو مدوا اليد السلمية مع السادات في كامب ديفيد وحصلوا على أكثر مما حصلوا عليه في أوسلو.
الدبلوماسي والسياسي الإسرائيلي الراحل أبا إيبان قال ذات مرة إن الفلسطينيين لم يضيّعوا فرصة لإضاعة الفرص، وبالتالي لا يدفعون الثمن وحدهم وإنما معهم كل العرب، ومن يعارض نهج قياداتهم يصفونه بالخيانة والعبث بالقضية، ذلك أصبح من الماضي ولم يعد واقعيا، وإذا كانت القضية تهم جميع العرب فمن حق العرب أن يرسموا ملامح السلام مع الطرف الإسرائيلي ولا يتركوا كل شيء للقيادات الفلسطينية لأنها غير جديرة كفاية لتحقيق السلام والتعامل الجدي مع متطلبات السلام الذي يتطلع إليه الشعب الفلسطيني والعرب، ولو أن هؤلاء القادة من الجرأة والذكاء كما للسادات لاتخذوا خطوة جريئة وذكية في كل الفرص عبر مسيرة السلام منذ كامب ديفيد وحتى هذا اليوم.
الآن نحن على أعتاب الكشف عن ملامح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وهي ما يُعرف باسم «صفقة القرن» والتي سيتم كشف النقاب عن الجزء الأول من خطة ترامب أثناء مؤتمر البحرين الدولي المقرر يومي 25 و26 يونيو الجاري وهي فعالية محورها الرئيسي «السلام من أجل الازدهار»، وبالطبع بادر الزعماء الفلسطينيون لانتقاد هذه الخطوة بشدة، وقال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين: «لم نوكل أحدا للتفاوض نيابة عنا، وإذا أراد أي أحد مبادلة مصالح الفلسطينيين بمصالحهم الخاصة، فليفعلوا ذلك من مالهم».
هذا هو نفس السيناريو الذي تتوارثه القيادات الفلسطينية للتعامل مع واقع السلام، والفرص التي يمكن أن تأتي أو تتم صناعتها، لذلك اعتقد أنهم هذه المرة لن ينجحوا في إيقاف قطار السلام، إلا أن يعلنوا أنفسهم أنهم ليسوا شركاء في السلام، وليس هناك ما يمنع الاستمرار في جهود تنفيذ صفقة القرن لتحقيق السلام إلا في حال تأجيل الإدارة الأمريكية الإعلان عنها حتى الانتخابات الإسرائيلية الجديدة في 17 سبتمبر المقبل، ولن يكون الفلسطينيون هم المشكلة وإنما عوامل أخرى تتعلق بصناع السلام الأمريكيين والإسرائيليين من جهة، وشركاؤهم العرب من جهة أخرى، في حال غياب أي طرف عن المشهد السياسي، لذلك نأمل أن تبقى القيادات الفلسطينية جانبا هذه المرة وتترك الأمر للعرب فقد انتهى زمن العبث بالقضية الفلسطينية والمتاجرة بها.
سكينة المشيخص
نقلاً عن (اليوم)