“سكري القصيم”
هذا لقب فريق نادي التعاون من بريدة الذي فاز أخيراً بكأس الملك سلمان، في منافسة وصلت أصداؤها لي على رغم أني أحاول أن أصم أذني عن أخبار كرة القدم منذ انقطعت علاقتي بتشجيع الأندية في سن مبكرة، لكني فرحت لهذا الفوز على رغم أني لم أشاهد المباراة ولم أحرص على ذلك. فرحت لا لسبب الانتماء الإقليمي وإنما لأن فريقاً لا يصنف من الكبار تمكن من التغلب عليهم جميعاً، وهذا بالطبع ليس الأول من الأندية التي لا تتمتع بأضواء ودعم المدن الكبيرة وجماهيرها العريضة، فقد سبقه فريق نادي الفتح من الاحساء بالفوز ببطولة الدوري الممتاز عام 2013، كما صعد إلى الدوري الممتاز ولا زال ينافس بقوة عدد من الأندية مثل الفيصلي والرائد والفيحاء والباطن وآخرون.
فرح “القصيميين” بالإنجاز الكروي لا يعادله سوى اعتزازهم بتمرتهم الشهيرة، إلا أنهم يجب أن يعيدوا النظر في مقولتهم التي يتغنون بها في وصف فريق التعاون (وهذه ملاحظة على الهامش) حينما يقولون: “التعاون ما بُهْ مثلهُ بالقصيم”، لأن مشجعي التعاون انتقلوا من حالة التنافس مع فريق الرائد، غريمهم التقليدي في المدينة نفسها، إلى أفق أوسع، والرائد نفسه مؤهل للتنافس على الألقاب الكبيرة بحيث يلعب في الدوري الممتاز هو الآخر. ومثل هذا الشعار يشبه الرؤية التي تتبناها المؤسسات وهي المحفز على التقدم في أي مجال، فلو كانت رؤية ستيف جوبز تنحصر في بيع أجهزة الكومبيوتر التي اخترعها في مدينة كوبرتينو في كاليفورنيا حيث بدأت مغامرته لما كنا سمعنا عن “أبل” عملاق التقنية العالمي.
ولا بد أن أتوقف هنا عن موضوع كرة القدم الجدلي الذي لن أضيف فيه شيئاً كبيراً، إلى موضوع جدلي آخر يتعلق بـ”تمرة السكري” نفسها التي أصبحت علامة تجارية للمنطقة وأحد أهم صادراتها، ترتبط بها أكثر مما ترتبط بغيرها من المناطق، لأن غرس نخيلها نجح في القصيم بدرجة فائقة أكثر من أي منطقة أخرى، ويرجع الخبراء ذلك إلى درجة ملوحة المياه والتربة الملائمة لهذه النخلة المتميزة، والتي ينتظرها هواة أكل التمر في كل موسم بشغف كبير.
الجدل يدور حول أصل هذه النخلة، وهل أستنبتت في القصيم أم أنها واردة من مناطق أخرى، إذ يقول البعض أنها وردت من البصرة وأن أول من أحضرها هو شخص من عائلة البسام من عنيزة، بينما يقول آخرون أنها وردت من الأحساء في الأصل على رغم أن أهل الأحساء لا يزرعون هذه النخلة الآن وليست مما يقدمونه من تمورهم الكثيرة وأولها “الخلاص”. ووجدت في مدونة “الرحالة الرواد” التي يشرف عليها الأستاذ وائل الدغفق نقاشاً حول هذا الأمر بين مجموعة من الباحثين والخبراء في شأن التمور، ذكر أحدهم وهو أبو عون الدوسري الذي يرجع هذه المعلومة إلى كتاب “تهذيب اللغة” للأزهري الذي وصف تمرة السكري التي كانت تدق بعد تجفيفها ويستخدم دقيقها بديلاً للسكر لشدة حلاوتها، كما أعطى من صفاتها ما ينطبق على تمرة السكري المعروفة الآن ومن ذلك أنها لا تكنز لأنها تتحول إلى الحموضة، ولذلك كان الأوائل يفضلون تجفيفها لتبقى لمدد أطول ويتزودون بها في رحلاتهم الطويلة. ولا زلت أذكر أننا ونحن صغار نغرس تمرات السكري “اليبيس” –أي اليابسة- في صحن الأرز الساخن حتى تطرى ونستطيع أكلها.
وهذه الخاصية ذكرها الأصمعي في روايته لمقابلته الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي سأله عن أفضل أنواع التمور فوصف بعض تمور البصرة ومنها السكري، واستشهد بهذه الرواية الأستاذ سليمان الحديثي في مقالة نشرها في صحيفة “الاقتصادية”، في سياق تأكيده أن البسام أحضرها بالفعل عام 1310 للهجرة.
والحقيقة أن هذه الجدلية لا معنى لها إلا من الناحية التاريخية، لأن ما يهم فعلاً هو أن السكري يمكن أن يصبح فعلاً علامة تجارية متميزة لمنطقة القصيم بسبب جودة المنتج منه، وحتى لو جاءت هذه التمرة من بلاد الواق الواق، فمصدر النبتة لم يمنع أستراليا ولا كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية ولا جنوب أفريقيا ولا حتى إسرائيل من استيراد الفصائل المتميزة من التمور وخاصة “البرحي” واستزراعها وإضافتها إلى قائمة صادراتها وصناعاتها التحويلية.
لكن المهم هنا أنه كما أن القصيم تتميز بتمرة السكري إضافة إلى فصائل أخرى عالية الجودة، وكما أن الأحساء تتميز بتمرة الخلاص وتمرات أخرى، وكذلك العجوة في المدينة، فإن بإمكان المملكة أن تتصدر سوق صادرات التمور في العالم، وأن تتخصص في الصناعات المرتبطة بها، وأن تتصدر العالم في التقنية الخاصة بالنخيل… أليست النخلة هي رمز وطني لنا؟
الغريب أن ما يؤخر المملكة في أن تحتل هذه المكانة هي أسباب إجرائية تتعلق بتوطين التقنية الخاصة بزراعة التمور، وفي سلاسل الإمداد والتموين بين المزارع ومنافذ التصدير.
أظن أن تمور المملكة ومنها السكري والخلاص والعجوة والبرني وغيرها وهي عالية الجودة، يجب أن تكف عن الجدل في التنافس في ما بينها في دوري التمور المحلي، وأن تبدأ في الدخول في الدوري العالمي، ذلك أن “تمرنا ما بُهْ مثلهُ بالعالم”.
تقبل الله منكم الصيام وصالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.
سلطان البازعي
نقلاً عن (الحياة)