الكتب والمكتبات في قلب الرؤية الثقافية
مقالي اليوم آخر مقال قبل التوقف عن الكتابة خلال شهر رمضان المبارك كما تعودت في كل عام.. مع الدعاء للجميع بالصحة والقبول.. ولهذا السبب اخترت موضوعا قريبا من نفسي لأنه حول الكتب والنشر، فقد عاصرت هذا النشاط أكثر من أربعة عقود، صحافيا ثم كاتبا ثم ناشرا.. ولم أتوقع أن يعود الاهتمام بالكتاب المطبوع والمكتبات بعد أن اتجهت الأنظار والمتابعة والتشجيع إلى النشر الإلكتروني باعتباره صناعة العصر.. لكن وزارة الثقافة بقيادة وزيرها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، أعادت الحياة إلى قطاع الكتب والمكتبات، حيث وضعته في قلب الرؤية الاستراتيجية التي أعلنتها أخيرا..
وجاء ذلك كما يبدو نتيجة قراءة معمقة لاهتمام بلادنا بالكتاب، ابتداء من أعظم كتاب وهو القرآن الكريم، حيث عملت هذه البلاد على طباعته خاليا من الأخطاء وتوزيعه على نطاق واسع في أنحاء العالم، لينعم كل مسلم بنسخة صحيحة من كتاب يعد الدستور الوحيد الذي يحكم حياته وتصرفاته بصرف النظر عن الدساتير الوضعية التي تفرض عليه.. ويأتي الدليل الثاني على اهتمام بلادنا بالكتاب، أن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، خلال معركة التوحيد، كان يستمع يوميا إلى قارئ يقرأ عليه من كتب في أحكام الدين والتاريخ والأدب والشعر، ويعلق على كل ذلك بتعليقات حكيمة وموفقة كان يتذكرها الآباء والأجداد.. ولم ينشغل بإدارة المعارك عن الاهتمام بالكتب والاستفادة من محتوياتها..
ويأتي الدليل الثالث على اهتمام بلادنا بالكتاب ممثلا في شخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث إنه القارئ الأول وصديق أهل الفكر والرأي.. يتابعهم ويناقشهم انطلاقا من مخزون ثقافي كبير تكون خلال أعوام وأعوام، وما زال – أمده الله بالصحة والعافية – يتابع الجديد من إصدارات الكتب، ليس فقط في بلاده، إنما على امتداد العالم العربي والعالم بصورة عامة.. وعودة إلى رؤية وتوجهات وزارة الثقافة، نجد أن هناك مبادرة “الكتب للجميع”، ومبادرة “تطوير المكتبات العامة”، إضافة إلى مبادرات يفهم منها نقل الثقافة السعودية والعربية إلى العالمية، مثل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وبرنامج “ترجم”، والمهرجانات الثقافية، ومدينة الثقافة السعودية، وغيرها من الخطوات الموفقة التي تعبر عن رغبة أكيدة في تقديم المشهد الثقافي السعودي للعالم بعد أن أشغلتنا الطفرة الاقتصادية عن ذلك خلال العقود الماضية.
وأخيرا، معارض الكتاب في بلادنا، خاصة معرض الرياض الدولي للكتاب، سجلت نجاحات غير مسبوقة، بل إن معرض الرياض أصبح أهم معرض كتاب في الشرق الأوسط من حيث عدد الزوار ودور النشر المشاركة والعناوين المعروضة والقوة الشرائية.. ولذا، أقترح أن يسمى يوم افتتاح هذا المعرض في شهر آذار (مارس) من كل عام “اليوم العالمي للكتاب السعودي”، وسيحقق هذا المعرض مزيدا من النجاح، ليصبح مناسبة ثقافية ينتظرها الجميع.
علي الشدي
نقلاً عن (الاقتصادية)