اقتراح لأشقائنا بالسودان
كتب أستاذنا الرائع سمير عطا الله قبل أسبوع مقالاً مؤثراً تحت عنوان: «بعد التحية»، كرد فعل على ما حصل في السودان.
وجاء فيه كخلاصة: إن للحياة الوطنية مدرستين، المدنية والعسكرية، ولكل منهما قواعدها وأصولها وأعرافها، وما داموا – أي العسكريون – اختاروا حياتهم إلى مدى العمر فلا يجوز أن يتملكوا الاثنتين.
ويمضي قائلاً ومؤكداً: وبسبب هذا الفارق العميق، فشلت جميع الأنظمة العسكرية في العالم – انتهى.
وأنا بدوري أقترح على الحكومة المدنية القادمة في السودان، أن تطلق على القصر الجمهوري، أو وزارة الدفاع مسمّى «سوار الذهب»، ويكتب بالخط العريض، ليكون رادعاً لكل ضابط تسوّل له نفسه في المستقبل أن يسرق أو يغتصب كرسي الحكم، ثم «يبلط» عليه عقوداً عدّة، ورحم الله الرجل النزيه الشجاع القنوع سوار الذهب الذي له من اسمه نصيب، ويستحق أيضاً أن ينصب له تمثال في أكبر ميادين الخرطوم، على شرط أن يكون «بالزي المدني لا العسكري»، وهذا أقل تكريم يعمل له.
***
أوقفت سيدتان سائق سيارة أجرة وطلبتا منه أن يذهب بهما إلى أحد مواقف السكك الحديدية في باريس، فلما بلغ الموقف تذكرت السيدتان أنهما نسيتا نقودهما في البيت فاعتذرتا له فأجابهما: لا بأس ما دمتما ستدفعان فيما بعد، فقالت له إحداهما: شكراً لك على ذلك، وأعطته عنوانهما.
غير أن رفيقتها قالت لها: لكننا نسينا أيضاً أوراق السفر في البيت ولم يبق لدينا وقت للعودة لإحضارها، فقال لهما السائق: إلى أين تقصدان وفي أي درجة تسافران؟!، فأجابتاه عن سؤاله، فقال: إني أتولى الأمر بنفسي، وجاءهما بورقتين دفع ثمنهما من جيبه، وحمل حقيبتيهما وحثهما على الإسراع لكي لا تتأخرا عن موعد سفر القطار.
فقالتا له: ما اسمك وعنوانك؟ فنحن يهمنا أن نعرفه لكي ندفع لك عند رجوعنا ما نحن مدينتان لك به، فناولهما صورة من بطاقته وودعهما وانصرف، فقرأتا فيها ما يأتي:
الجنرال الكونت (…) الملحق بأركان الحرب العامة في روسيا أثناء الحرب.
على أن الشيء بالشيء يذكر، فإن الثورة البلشفية الروسية كانت شديدة الوطأة على النبلاء الروس فمن نجا منهم من القتل اضطر إلى الهجرة والسعي في ديار الغربة لتحصيل رزقه، ففي باريس وحدها كان هناك نحو خمسة آلاف روسي يشتغلون سائقي سيارات، السواد الأعظم منهم من النبلاء.
وهكذا هي الدنيا دوّارة، إنها كالخيارة يوماً في يدك ويوماً في الهواء.
مشعل السديري
نقلاً عن (الشرق الأوسط)