قبائل من تايوان.. صغيرة لكن فخورة بنفسها
قبيلة بويوما – صغيرة لكن فخورة بنفسها
تقطن قبيلة “بويوما” الجنوب الشرقي لتايوان حول مدينة “تايتونج”، وتتوزع بين ربوع سهولها الصغيرة والتلال المحيطة بها. يبلغ عدد أفراد القبيلة اليوم حوالي 10.000 نسمة، وينقسمون لثمان قبائل أصغر. لقد عاشوا في الماضي وحتى اليوم نسبياً ضمن بيئة زراعية، واستطاعوا زيادة دخلهم من خلال صيد الحيوانات والأسماك.
الأصول
تقول الأساطير القديمة أن كل من القبائل الثمانية التي تكون “البويوما” تنتمي لأصول مختلفة. على سبيل المثال، فإن جماعة “بينان” التي تقيم على سفوح التلال التي تقع داخل مدينة “تايتونج” يقولون عنها أنها قد “ولدت من الخيزران”. لا يجب على من يزور المنطقة أن يفوته القيام بزيارة لمتنزه “بينان” الثقافي الذي يركز على ثقافات وتاريخ الشعوب البدائية في تايوان كما أنه يعتبر الموقع الرئيسي للمهرجان السنوي لثقافات أوسترونيسيا وفرموزا البدائية. أما جماعة “جيهبن” فيقولون عنها أنها قد “ولدت من الحجر”، ويقع وادي “جيهبن” جنوب مدينة “تايتونج” ويشتهر بينابيع المياه الساخنة والمنتحعات المنتشرة حولها. لقد حفرت قبيلة “بويوما” طويلاً على جانبي مياه النهر لعمل برك مياه معدنية بخارية استخدمت لتلطيف آلام العظام والمفاصل…
البنية الاجتماعية
إن القرية التي تعتبر بمثابة جماعة صغيرة، هي وحدة سياسية مستقلة في مجتمع “بويوما”، ولذا فالعداء أصبح منتشراً فيما بينها. إن نظام النسب ينحدر من كلتا السلالتين لكن الإبنة الكبرى هي التي ترث ثروة العائلة. كما أن أهم عنصر في نظامهم الاجتماعي التقليدي هو ما يطلق عليه “منازل الرجال”.
الكارومان
تمتلك كل عشيرة “منزل رجال” خاص بها، ويطلق عليه اسم “الكارومان”. يعتبر هذا المنزل أيضاً مقراً لإقامة جميع الشعائر والطقوس والاحتفالات الدينية، كما توضع في هذا المكان أيضاً أهم أدوات الاحتفالات ويعتبره أفراد القبيلة مقدساً، ومن أبرز هذه الأدوات “حقيبة أرواح الأسلاف”.
يستخدم أيضاً ذلك المنزل كمركز للتعليم. قبل تأثر أفراد القبيلة بالعادات الصينية، كان الشباب الذكور منها يعيشون في قاعات هذا المنزل قبل زواجهم، ويتلقون تدريباً قاسياً لمدة خمسة أشهر على فنون ومهارات الحرب. لقد كان يتم تقسيمهم لمجموعات صغيرة طبقاً لأعمارهم، ولذا فالكارومان كان في الحقيقة مركزاً عسكرياً حيث يتدرب المحاربون من مختلف الأعمار على الاتحاد لحماية المجتمع.
الطعام
اعتمد أفراد القبيلة في طعامهم على الذرة والأرز والبطاطا الحلوة، إضافة لأطعمة أخرى مثل لحم الخنزير البري وأسماك الأنهار والفول والقرع. وبرغم معيشتهم بالقرب من البحر، إلا أنه يبدو أنهم لم يمارسوا صيد الأسماك بين مياهه أبداً.
مثل العديد من السكان الأصليين في تايوان وجنوبي الصين بل جنوب شرق قارة آسيا كلها، فإن أفراد البويوما يمضغون بذور “الفوفل” (نوع من النخيل)، ويقدمونه بشكل تقليدي للضيوف علامة على المحبة في طقوسهم، كما يقدمونه كهدايا لأرواح الأسلاف أثناء احتفالاتهم الدينية.
المنازل
كان البيت في الأيام الخوالي – الآن حل محله البيوت العصرية المنتشرة والتي يمكن رؤيتها في جميع مناطق الريف في تايوان- ذا شكل مستطيل مع سطح مسقف وحوائط من الخيزران وأعمدة ودعامات خشبية. كان للمنزل مدخلين، من الأمام والخلف، وموقد للطهي يتكون من ثلاثة أحجار يوضع على يسار المدخل الأمامي. كان يوجد أيضاً مخزنا للمؤونة داخل المنزل خلف حائط في مؤخرة المنزل وهذا الحائط قصير في العادة لا يصل لسقف المنزل وتوضع عليه الأدوات الزراعية.
مهرجان الحصاد
رغم الاختلافات القوية التي نمت بين العشائر الثمانية عبر الزمن، إلا أنهم اعتادوا على التجمع كل عام في منتصف شهر يوليو للاحتفال بمهرجان الحصاد، حيث يستمر المرح من ثلاثة إلى سبعة أيام، ويرحبون بالأغراب لمشاهدة مختلف أنشطته. من أبرز الأحداث في “جينبين” هو رقص المحاربين مع سير الشجعان في شوراع القرية وهم يلقون الأدعية والصلوات.
أما في قرية “نان وانج” القريبة من الساحل والتي تقع في مواجهة جزيرة الأوركيد، يقوم أفراد القبيلة بتقديم احتراماتهم لآلهة البويوما التي توفر لهم بذور الذرة والأرز، ومن ثم يتفرقون نحو قراهم حيث تجرى مسابقات للمصارعة. إن المقصود من هذه المسابقات هو التعبير عن آمال القبيلة في أن تكون البذور التي يأتي بها الحصاد قوية مثل الشجعان الذين يتصارعون وحتى يتمتع الشعب بحبوب صحية وغنية.
مهرجان بويوما السنوي – شعيرة القرد
من المدهش أنه رغم كون قبيلة البويوما واحدة من أصغر القبائل في منطقتها وحيث يختلط العديد من أفرادها بالقبائل الأخرى، فإنها تتميز بروحها الحربية. أثناء المهرجان السنوي الذي يقام عادة في ديسمبر، ويكون أهم حدث “شعيرة القرد” وهو احتفال من قديم الأزل يقوم فيه شباب القبيلة بتسلق برج عال-وفي الماضي كانوا يقتلون قرداً باستخدام سلاح تدربوا عليه وعادة يكون رمحاً- عند نجاحهم في هذا الأمر يصبح الواحد منهم محارباً.
تبدو القرود شبيهة بالإنسان، ولهذا فهي تشبه العديد من أعداء البويوما، ولأن هذه الحيوانات تتميز بالذكاء وخفة الحركة، فلهذا السبب كان الأمر يعني أن الشاب الشجاع الذي ينجح في قتلها قادراً على قتل رجل محارب. خلافاً للأعداء من البشر، فقد كان يتم ربط القرود لمنعها من الهرب.
اليوم يقوم الشباب بمهاجمة دمية من القش على هيئة قرد بدلاً من القرود الحية. إذا كنت محظوظاً وحضرت احتفال مهرجان ثقافات أوسترونيسيا وفرموزا البدائية، يمكنك القيام بدور الصياد والاشتراك في العديد من الأنشطة التقليدية لأفراد تلك القبائل البدائية.
قبيلة كافالان – تتمسك بالماضي وتتطلع إلى المستقبل
“كافالان” تعني الناس الذين يعيشون على السهول. جاءت قبيلة “كافالان” إلى سهل “لانيانج”-حيث تقع مدينة “إيلان”- الذي يقع شمال شرقي “تايوان” منذ مئات السنين. اليوم هم يعيشون بشكل رئيسي جنوب السهل فوق الأراضي المنبسطة من الساحل الشرقي بين مدينتي “هوالين” و”تايتونج”، والجزء الأكبر منهم في القرى التي تقع في وادي الشق الشرقي الأصيل. بعد نضال طويل، منح هؤلاء الناس الاعتراف بحكومتهم المحلية كمجموعة عرقية متميزة عام 2002م وهي القبيلة الحادية عشر في “تايوان” التي يتم الاعتراف بها رسمياً.
التاريخ
صنفت القبيلة منذ القدم بشكل خاطيء ضمن النظام القبلي للأميس الذين يبلغ عدد أفراد قبيلتهم 150.000 يتوزعون بطول الساحل الشرقي وهي من أكبر القبائل في تايوان (تمثل أكثر من ثلث إجمالي عدد السكان البدائيين) بينما لا يزيد عدد أفراد قبيلة “الكافالان” عن 1500 فرد.
عاشت قبيلة “الكافالان” أصلاً في المناطق الوسطى والعليا لنهر “ليوو”، لكنها انتقلت إلى الشمال والشرق نحو سهل “لانيانج” منذ حوالي 300 عام مضى، وذلك بسبب ضغوط من قبيلة “أتايال” الأكبر التي تحركت شرقاً فوق التلال بسبب تدفق مستوطني الهان الصينيين على أراضيهم التقليدية شمال تايوان. بدأ الصينيون عام 1795 في التدفق نحو سهل “لانيانج” من حوض “تايبيه” والانضمام إلى قبائل الساحل الغربي هرباً من ضغط الهان الاستيطاني.
انتقلت معظم قبيلة الكافالان عام 1840م نحو مصب نهر “ميلون” وهي المنطقة المعروفة اليوم باسم مدينة “هوالين” ومن ثم تفرقوا إلى مجتمعاتهم القائمة اليوم.
إن تلك القبيلة هي واحدة من آخر القبائل في “تايوان” التي تحولت للصينية، وقد حدث الكثير من حالات التزاوج التي أدت إلى الاعتقاد الخاطيء باندثارها، لكن الحقيقة أن العديد من مجتمعاتها قد احتفظت بسماتها المميزة.
البنية الاجتماعية
إن لب مجتمع “كافالان” هي العشائر الأخوالية (المتعلقة بناحية الأم). لهذا فإنه يوجد قليل جداً من التمييز المبني على الطبقة الاجتماعية. يتم اختيار الزعماء من الرجال والنساء البالغين أيضاً. لقد كانت عادة قديمة أن ينتقل العريس لمنزل عائلة العروس لكنها لم تعد منتشرة الآن.
مما يثير الاهتمام أيضاً أن الإبن كان يتخذ الاسم الأخير لأبيه بحيث يصبح الاسم الأول له وأن تتكرر هذه العملية عند ولادة إبن له هو أيضاً.
المعتقدات الدينية
تعتقد القبيلة بشكل قوي في وجود الأرواح، ويعيشون في فزع ورعب منها. اعتاد الهان الصينيون أن يبنوا مقابرهم بالقرب من أو على أراضي القبيلة، بل إنهم في بعض الأحيان كانوا يجبرون بعضاً من أفراد قبيلة كافالان على المشاركة في البناء، ونتيجة لذلك كان أفراد القبيلة يشعرون بأن عليهم الرحيل بعيداً.
في بداية كل عام جديد، والذي يحدد بدايته بطريقة تقليدية طبقاً للفصول والأوقات الملائمة للزراعة والحصاد، يقام احتفال “بايلين” حيث يتم تمجيد الأسلاف واسترضائهم فيقوم أفراد القبيلة بترديد الأدعية وتقديم الأضاحي على أمل الحصول على رضاء أولئك الذين انتقلوا للعالم الآخر.
هناك طقس يقام على شرف الأموات ويطلق عليه اسم “باتو رانجان”، وهو يقام عادة بعد مرور عام على وفاة الشخص، حيث يعتقدون أنه في هذا الوقت تماماً تتقابل روح الميت مع الأحياء. تقوم بخطوات الاحتفال سيدة يطلق عليها اسم “مايتو” للقاء وتحية روح الميت وذلك بتوجهها نحو منزله السابق حيث يتقابل مع أقربائه وأحبائه لآخر مرة. تقدم الاحترامات والقرابين الأخيرة لروح الميت تحت الملاحظة الدقيقة للـ”مايتو” قبل أن ترسل الروح بسلام لمقرها الأبدي.
القوت
سادت الزراعة لمدة طويلة كمصدر لأقوات القبيلة حيث كان يزرع الأرز فوق الأراضي المنخفضة بشكل تقليدي، خلافاً لما اعتادت القبائل الأخرى على القيام به والذين كانوا يفضلون زراعة الذرة في الأراضي الجافة. كان أفراد القبيلة يقومون أيضاً بصيد الأسماك، داخل مياه الجزيرة باستخدام شباك الصيد والحراب أحياناً والتي كانت تستخدم أيضاً في مسابقات الحرب.
النسج
كان الموز متوافراً بشكل كبير فوق أراضي قبيلة “كافالان”، فكان يتم استخدام ألياف الموز بشكل بارز كنسيج وخاصة في الملابس، وأيضاً صُنعت الحقائب والأجربة من ألياف نبات الرامي الأكثر صلابة ومتانة.