الخط العربي.. والتقنية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
منذ بدأ الناس بالتعامل مع أجهزة الحاسب في كتابة أوراقهم وكتبهم وخطاباتهم ورسائلهم، والاهتمامُ بالخط العربي بدأ يقلُّ شيئاً فشيئاً، وأصبحت ترى خطوط معظم الناس – وخصوصاً المثقفين منهم – أشبهَ ما تكون بخرابيش وشخابيط، تحتاج إلى الإمعان بها لفترةٍ طويلة حتى تستطيع فك شيفرتها وتفهم المراد منها.
وبرأيي المتواضع لا نستطيع إلقاء اللوم في ذلك على التقنية الحديثة فحسب، بل الأمر يرجع إلى ثقافة المجتمع نفسه، وإقبالهم على الاهتمام بالخط العربي، والحرص على تعليمه للأجيال الصاعدة منذ البدايات الأولى للمراحل التعليمية، وللأسف ترى المدارس في وطننا العربي – في غالبها – لم تعد تخصص دروساً لتعليم الخط العربي المبسط (الرُّقعة)، فما بالُك بالخطوط الأخرى كالنسخ والثلث والديواني..
وأذكر عندما كنت في المرحلة الابتدائية كان المعلم يحظر علينا الكتابةَ باللون الأزرق في حل الواجبات، وذلك في الصف الأول والثاني، ويأمرنا باستخدام القلم الرصاص، وفي الصف الثالث كان يسمح للطالب الذي يتقن كتابة واجبه بخطٍّ جميل ومتقن؛ أن ينال شرف الكتابة باللون الأزرق، ويكون بذلك علَماً بين أقرانه.
وأما محدثكم فكنتُ كغيري أكتب بالقلم الرصاص، وفي أحد الأيام دخل علينا الأستاذ وطلب أن يرى حلَّ واجباتنا؛ كل واحد منا على حدة، وبدأ بالجالسين في المقاعد الأولى، ومن توفيق الله لي أن جعلني طويلَ القامة فكنتُ أجلس في آخر مقعد في الصف، ودوري في رؤية الواجب سيكون بعد نصف ساعة تقريباً، حيث كان المعلمون في ذلك الزمن يهتمون بالواجبات ويفحصونها ويمحصونها جيداً ولا يسمحون بمرور خطأ واحد.
عند ذلك لمعتُ في ذهني أن أعيدَ كتابة الواجب بتروٍّ وبطء، ورحتُ أجوِّد الخط وأضع الشكل والفواصل وعلامات الترقيم بعناية، حتى وصل الدور لعندي وكنتُ قد انتهيت من كتابة الواجب، ولما شاهد المعلم ما كتبت، كتب لي تلك العبارة التي لا أنساها ما حييت، كيف لا وهي التي رسمت على فمي بسمة عريضة في لحظةٍ كانت فارقةً في حياتي العلمية “يُسمح له بالكتابة بالقلم الأزرق”، ومنذ ذلك الوقت وعشقي للخط العربي ورسمِه لا يفارقني، وبدون شعور مني تجدني أخطِّط على أي ورقة أجدها أمامي، حتى يصل بي الحال أحياناً – إن لم أجد ورقة – أن أكتب بأصبعي على أي جمادٍ أجده.
ويسألني بعض الزملاء المحبين للخط العربي كيف يحسِّنوا من خطوط أبنائهم، وأدلُّهم دائماً على كراسات الخط العربي التي يبيعونها في المكتبات، ففيها من التنوع الكبير ما يجعل أطفالنا مع التكرار أن يتقنوا رسم ذلك الخط الجميل الذي لا يعادله خط في أي لغة من لغات العالم.