على الصامت
لا يكاد يجلس في الاستراحة حتى تنهمر عليه الاتصالات بلا توقف.
لا يكلف محمد نفسه لتصفح الشاشة ليعرف هوية المتصل. يكتفي بضغطة زر على جهازه ليحيل النغمة إلى حالة الصامت.
يتمتم بكلمات مسموعة: “أزعجتني. لا تتركني ساعة بلا اتصال. تعبت من اتصالها وقلقها المريض”.
يتكرر هذا السيناريو كلما دخل إلى الاستراحة.
اتصالات غزيرة يقابلها غضب عارم من محمد يشهد أحداثه رواد الاستراحة.
ظل أصدقاء محمد يتابعون هذا الفيلم اليومي بلا انقطاع لمدة ثلاث سنوات تقريبا.
للأسف بعد ذلك انفصل محمد عن زوجته التي يتهمها بأنها أقضت مضجعه ووترته وصادرت حريته؛ على حد تعبيره.
بعد أقل من عامين من انفصالهما، تزوجت مطلقته.
الحدث اللافت لا يكمن في زواجها، بل في الزوج الذي ارتبطت به.
لقد كان أحد رواد الاستراحة التي كانت تشهد اتصالاتها العديدة.
انتشر الخبر بين الجميع، لكن الأغلبية كانوا مشككين.
حاصرهم سؤال محدد: كيف يتزوج صديقنا زوجة سابقة لصديق مشترك؟!
أحد رواد الاستراحة لم يستطع أن يحتفظ برغبته في التحقق من الخبر. انتزع السؤال من جوفه ووجهه إلى الزوج الجديد:
هل بالفعل تزوجت الزوجة السابقة لصاحبنا محمد؟
أجابه والابتسامة تضيء وجهه: نعم.
أتبعه بسؤال آخر:
هل عرفت أنها زوجة محمد السابقة بعد الزواج أو قبله؟
رد بتلقائية:
“بعد أن انفصل عنها العزيز محمد طلبت من أهلي البحث عن معلومات عنها.
والحمد لله كل مواصفاتها ناسبتني.
اهتمامها بمحمد وحرصها عليه من خلال الاتصالات المكثفة كان هو أهم الصفات التي كنت أبحث عنها في زوجتي السابقة لكن لم أحظ به”.
أكمل فيصل عامه الخامس مع هذه الزوجة وهو ينعم بحياة سعيدة نرجو ألا تنقطع.
وهذه القصة التي سمعتها من أحد زملائي أكدت لي أننا مختلفون جدا.
فالشيء الذي لا يروق لنا أبدا قد يسعد غيرنا جدا.
وأن الحياة لا تنتهي بانفصال أو تعثر أو انعطاف، بل ربما تبدأ معه وبه.
د. عبد الله المغلوث
نقلاً عن (الاقتصادية)