الإسكان .. واقعية من أجل المواطن
كمواطن، عايش المرحلة الطويلة التي كان الحصول فيها على مسكن واحدًا من المشاكل المزعجة للجميع، أشعر بكثير من الدهشة وأنا أتابع نجاح وزارة الإسكان في جعل هذا القطاع مصدرًا لإسعاد المواطنين وإشاعة أجواء التفاؤل في مختلف المناطق.
كثيرون مثلي، عاشوا سنوات الضيق من هذا القطاع، يشعرون اليوم بنفس الدهشة، خاصة بعدما شاهدوا تراكم سنوات التعثر والاجتهادات غير الموفقة وهو يتبدد أمام عيونهم لتحل مكانه حالة من الفرح والسعادة التي نستمد منها اليوم الأمل والثقة بأن لا شيء يستعصي على الحل، طالما توافرت الرؤية والإرادة و العمل الدؤوب.
عندما أنظر إلى هذا التحول الكبير لا أستطيع تجاهل التساؤلات التي تلح عليً، وأظنها تراود غيري ممن عاصروا عقود الأزمة الطويلة، ومن ذلك: إذا كان حل المشكلة بهذا اليسر، فلماذا تأخرنا كل هذه السنوات في الوصول إليه؟، وهل يرتبط هذا النجاح بأشخاص أم بأجواء ونوايا؟، ثم : ما الذي يمكن أن نستفيده من هذه التجربة المهمة، التي نتابعها اليوم، ونحن نعرف أن القادم أفضل بإذن الله ؟.
تقديري أن فهم ما حدث في هذا القطاع يبدأ بالتركيز على ما يحدث داخل وزارة الإسكان، وتحديدَا في مكتب الوزير ماجد الحقيل، ففي هذا المكان تحققت خطوات كبرى في مسيرة التصدي لمشكلة الإسكان، وكان للوزير نفسه الدور الأكبر فيها، بعدما مزج بين خبراته العلمية ورؤيته الواقعية وقدرته على ابتكار الحلول و الأدوات التي تناسب الواقع السعودي.
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي تحقق ،فإن الوزير لا زال يواصل جهوده لإضافة المزيد من الانجازات، التي تعزز من نجاح هذا القطاع . الرجل يبدأ عمله ، منذ توليه المسؤولية، بعد صلاة الفجر ويستمر في مباشرته حتى وقت متأخر من الليل، يدعمه في ذلك فريق يعرف دوره جيدًا ويؤديه بدأب متواصل، واثقًا بأن أثر ما يقوم به ينعكس بشكل فوري في حياة الناس ، والأهم أنه يوفر لهم حقهم في مسكن عصري لائق ويتناسب مع ظروفهم المادية.
زيادة على ذلك، استعان الوزير بكل الخبرات المحلية والتجارب العالمية للتعجيل بحل المشكلة الاسكانية وتحقيق هدف الدولة في زيادة تملك المواطنين من المساكن، ثم أضاف إلى ما سبق استحداث أنظمة وتغيير سياسات وعقد شراكات وتفاهمات مع البنوك والقطاع التمويلية والعقاريين، حتى يوفر لهذا الهدف وسائل التحقق العملية، فكانت النتيجة أن تغير المشهد العقاري بكامله، لصالح المواطن.
وتقديري أن شهادات الخبراء الاقتصاديين بحق الوزير الحقيل، هي الأكثر موضوعية، سواء لما يملكه هؤلاء من معلومات تفصيلية عن حالة هذا القطاع في الماضي وما آل إليه حاليًا، أو لفهمهم الأعمق لتأثير ما أنجزته وزارة الإسكان، خلال العامين الماضيين، في منظومة البناء والسكن، على المستويين الكمي أو الكمي.
كميًا؛ وفّرت الوزارة خلال عامين أكثر من 583 ألف خيار سكني وتمويلي للمستفيدين؛ من ضمنها الوحدات السكنية الجاهزة والوحدات تحت الإنشاء بالشراكة مع المطورين العقاريين المؤهلين، والأراضي المجانية، والقروض العقارية المدعومة بالشراكة مع البنوك والمؤسسات التمويلية؛ للاستفادة من خيارات شراء الوحدات الجاهزة من السوق، والبناء الذاتي لمن يمتلكون الأراضي، أو تمويل القرض العقاري القائم.
ووفق الأرقام التي نشرتها هيئة الإحصاءات العامة مؤخرًا، فقد بلغت نسبة المساكن المملوكة المشغولة بأسر سعودية رغم زيادة عدد الأسر السعودية بنسبة ٢.٤٦٪، وذلك نتيجة استفادة ٦٧٠٧٠ أسرة خلال عام ٢٠١٨ من عقود الدعم المقدمة من برنامج «سكني». ويعني ذلك، بتقدير الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث، جدية الدولة والوزارة في توفير الوحدات السكنية؛ لافتًا إلى أن هذه الخطوات سهلت على المستفيدين تحديد الأنسب لهم وبما يتناسب مع قدراتهم.
ويقول المغلوث إن برنامج «سكني» سيساهم في رفع نسبة التملك السكني إلى 60% بحلول عام 2020م وإلى 70% بحلول عام 2030م، وعلى ذلك يمكن أن نقول: إن «البرنامج قطع شوطاً بعيداً في تحقيق أهدافه الكلية فيما يتعلق بالمساكن».
أما على المستوى الكيفي، فقد نجحت الوزارة في مواكبة رؤية «المملكة 2030» ، حتى أن نسبة إنجازها في إطار برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠ بلغت ٦٠.٤٩٪، وهي بالمنظور الزمني نسبة إيجابية ، تؤكد أن وجود فرصة كبيرة للوفاء بكامل المستهدف منها، قبل حلول تاريخ الاستحقاق.
و ساهمت جهود الوزارة أيضًا في تنشيط السوق العقاري وحمايته من الركود، وجعله جزءاً أصيلاً وفاعلاً في بناء الوحدات السكنية، مع توفير التمويل اللازم لذلك سواء عبر البنوك أوالشركات العقارية، وكانت نتيجة ذلك هي « جعل العمل أكثر تكاملاً وشمولاً ومحققًا للمستهدفات التنموية عالية القيمة على المستوى الوطني.«
وتقديري أن سرعة الانجاز الذي حققته وزارة الإسكان خلال الفترة الماضية يشير إلى بعد أخر لا يقل أهمية، هو قناعة القائمين على هذه الجهود بأنهم شركاء رئيسيين في المهمة الأكبر المتمثلة في الوصول إلى مستوى مثالي لجودة الحياة في السعودية، وليس أدل على ذلك من عدد المشروعات التي يتم طرحها كل يوم، والحرص على إطلاع المواطنين الحاجزين على سير العمل فيها يوما بيوم، والأهم من ذلك هو الإصرار على أن تكون المنتجات السكنية الجديدة بأعلى مستويات الجودة ؛ تصميمًا وإنشاء وتنفيذًا.
ويعنيني هنا أن اشير إلى جانب اجتماعي لافت في عمل وزارة الإسكان، وهو نجاحها في التعامل بواقعية مع معطيات السوق، ما مكنها من تقديم منتجات عقارية مناسبة لغالبية المواطنين، خاصة ذوي الدخول الأقل، حيث وفرت لهم منتجات منخفضة السعر، ومنحتهم بذلك فرصة تحقيق حلمهم بتملك مساكنهم الخاصة، وهو نفس ما تكرر مع الراغبين في بناء منازلهم بأنفسهم، إذ وفرت لهم الوزارة مبادرة خاصة تساعدهم في ذلك ..في الحالتين؛ كانت الوزارة حريصة على تجنيب المواطنين الأعباء الباهظة، التي كانت تكبلهم في السابق.
ختامًا، أنوه إلى أن تطبيق مثل هذه الحلول يتم في الدول المتقدمة من خلال القطاع الخاص، الذي يضع الربح دائمًا نصب عينيه ولا يأخذ في اعتباره الأبعاد الاجتماعية والوطنية .أما في الحالة السعودية، فقد ساهمت وزارة الإسكان بالدور الرئيس، فسرعت دوران عجلة الإنجاز عبر تقديم ضمانات التمويل للمستفيدين مع تحملها كلفة الفوائد لدى البنوك عن الأغلبية، التزامًا بتعهدها المبدئي بأن تكون «سندًا دائما للمواطن حتى يحصل على المسكن الذي يناسب ظروفه دون أن يكلفه أعباء يمكن تحملها نيابة عنه».
( رئيس التحرير )