أخرجوا للناس وتحدثوا إليهم
محاولة التأثير في الرأي العام هو هدف لصناع القرار في كل مكان من العالم وعلى تعدد مستوياتهم، بدءاً بالقادة السياسيين والعسكريين وانتهاءً بصاحب الدكان على زاوية الشارع، فالكل لديه فكرة/ بضاعة يريد أن يقنع الناس بأنها هي الأفضل.
أما لماذا هو مهم الحصول على مساندة الرأي العام وقبوله للفكرة؟ فلأنه وببساطة شديدة حتى البضاعة الجيدة والأفكار النبيلة يمكن أن تكسد إذا لم تقدم بشكل جيد ومقنع للمستهلكين المستهدفين.
ومن المؤكد أن هناك خلطاً شديداً بين الأفكار والبضائع، منشأه في أن النظريات التي تحكم التسويق لهما والوسائل المستخدمة هي واحدة، وبينما يسمح بشيء من «لوي» الحقائق وتلميعها في حال تسويق البضائع عبر الإعلان، فإن نقل الأفكار يفترض فيه أن يكون صارم الالتزام بالحقائق المجردة عبر الأخبار والمقالات والتعليقات، وهذا بالطبع كلام نسبي متفاوت في التطبيق، نسبة لدرجة وعي الجمهور المستقبل، وتقدم الأنظمة الحاكمة للعمل الإعلامي، لكن بالتأكيد لا توجد نزاهة مطلقة.
والجدل حول هذا الأمر طويل وتاريخي منذ أن ظهرت نظريات الاتصال مع بدء حراك وسائل الاتصال الجماهيري، وتدرس هذه النظريات في الجامعات، وتجرى حولها الأبحاث وتعقد المؤتمرات، ويتحاور المشتغلون في حقول الاتصال فيما بينهم طويلاً سعياً وراء الوصول إلى الوصفة السحرية التي تضمن نقل الرسالة بأكبر قدر من النزاهة بما يحصل على ثقة الجمهور وقناعته.
وآخر هذه الملتقيات ذلك الذي استضافته مدينة الجبيل الصناعية وبتنظيم من الجمعية السعودية للعلاقات العامة والإعلان، وهو ملتقى علمي جمع نخبة من الخبراء والأكاديميين في الإعلام والعلاقات العامة، وتركز البحث بصفة خاصة على إيصال الرسالة الإعلامية في أوقات الأزمات، إذ إن الأزمات تضع مرسل الرسالة في محك حرج يتعلق بصدقيته وثقة الجمهور به، كما ناقش الملتقى دور المتحدث الرسمي للمنظمة باعتباره هو الذي يقف في الواجهة أمام الرأي العام.
أهمية الملتقى تكمن في أن الأزمة التي يواجهها المشتغلون في الاتصال الجماهيري بمن فيهم الصحافيون وممارسو العلاقات العامة بشكل خاص، ليست فقط في نقل الرسالة، بل في أن مسألة خلق القناعة والثقة والرضا لدى الجمهور أصبحت أكثر تعقيداً في ظل وجود هذا العدد الهائل من المنصات الإعلامية التي لا تكاد تهدأ في نقل المعلومات، وهذا العدد من المنصات هو في الواقع في يد الجمهور الذي لم يعد يكتفي بدور المستقبِل للرسالة، بل أصبح نشطاً في نقل المعلومة وتداولها من مصادرها الخاصة والمتعددة، وبجملة أوضح، فإن الرأي العام لم يعد كائناً جامداً ومتلقياً، وإنما أصبح يسهم في صناعة وتشكيل نفسه. والفراغ الذي تتركه أي منظمة في إيصال المعلومات فإنه سرعان ما يُملأ بكم من المعلومات قد يكون فيها من التشويه الكثير نتيجة لسوء النقل المتعمد أو البريء.
وركزت كثير من الأوراق العلمية والتعليقات من المشاركين على الواقع الذي تعيشه المملكة العربية السعودية في حالة التحول الكبرى التي أتت بها رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني، وفشل كثير من القطاعات الحكومية بشكل خاص في التعامل مع الواقع الإعلامي الجديد وشرح برامجها لجمهورها، ما خلق حالة أزمة ناشئة من سوء الفهم لهذه البرامج والتحولات، وعزز من فداحة الأزمة دخول أطراف خارجية يهمها فشل التجربة بتغذية وسائل التواصل الاجتماعي بكثير من الشائعات والشكاوى المفتعلة بهدف تأجيج الرأي العام.
والشواهد عدة لدى عدد من هذه القطاعات التي لم تنجح في تبني استراتيجيات إعلامية واضحة وثابتة وغير مترددة في مخاطبة الجمهور، وتركت إداراتها الإعلامية ضعيفة وغير ممكنة وغير قادرة على المبادرة.
ويكفي أن تنظر إلى أي أزمة إعلامية يواجهها أي من القطاعات الحكومية، فإذا سبقت الإشاعات المعلومة الحقيقية فهذا سيترك القطاع في موقف دفاعي ضعيف يعتمد على رد الفعل والتبرير حتى ولو كانت قضيته عادلة وواضحة.
والغريب أن هذه القطاعات التي يمكن تسميتها واحداً واحداً لم تتعلم من النجاحات التي حققتها قطاعات أخرى في التواصل مع جمهورها، وحققت بالتالي صورة إيجابية سهلت من مهمتها في تحقيق أهدافها، ومن هذه القطاعات على سبيل المثال لا الحصر وزارة الداخلية بأجهزتها كافة ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
ومن الواضح أن القطاعات التي تُعاني من هذا الخلل الاتصالي يكون لدى قياداتها «فوبيا» متأصلة من التعامل مع الإعلام ومواجهة الجمهور، ويكون لديهم قناعة أنه ما زال بإمكانهم التغطية على مكامن الخلل بالتكتم والصمت.
ولهم أنقل هذا القول للخبير في علم الإدارة دوغلاس روشكوف: «أنت لا تقرر أن تكون شفافاً، فأنت شفاف بالفعل».
لذا، أخرجوا للناس وتحدثوا إليهم وبصدق فسيقبلوكم ويساندوكم.
سلطان البازعي
نقلاً عن (الحياة)