قصة طفل سجنه أبوه 20 عاماً لهذا السبب وفي هذا المكان!
داخل «قبو» بارد عجز الضوء عن خرق جدرانه لسنوات، احتجز والد لبناني (مواليد عام 1964 لبناني) ابن السنتين (من ذوي الاحتياجات الخاصة) منذ أكثر من 20 عاماً، وذلك في بلدة الأنصار الجنوبية.
فبعد 20 سنة من القهر والسجن خلف جدران قبو بارد، خرج قبل يومين أحمد (مواليد العام 1995) إلى أحضان ابن عمّه ريثما يتسلمه مركز الشؤون الاجتماعية بناءً على إشارة القضاء المختصّ، وذلك بعد أن أوقفت القوى الأمنية الوالد س.ش بناءً على إشارة القضاء المختص.
وبالتحقيق معه، أقر الوالد أن ابنه يعاني من ضعف في النموّ، ومن إعاقة جسدية منذ ولادته، وأن والدته المطلّقة لم تحضر لرؤيته منذ العام 1995، وأنه في أثناء غيابه عن المنزل هو وزوجته الحالية، كانا يضعان الشاب في القبو، ويقفلان عليه باب المنزل إلى حين عودتهما.
وتبين أن «المتخّت» أو الغرفة أو القبو حيث سجن الطفل لسنوات، خال من إضاءة منذ سنوات عدّة.
غير أن رواية الأب ناقضتها الوالدة التي حُرمت من رؤية ابنها وشقيقته (لديها ولدان من طليقها س.ش) طوال عشرين عاماً، مؤكدةً أن أحمد لم يولد كما قيل ومعه إعاقة جسدية.
وأوضحت مريم غدّار والدة أحمد لـ«العربية.نت»، القصة التي صدمت اللبنانيين، قائلة :”لقد وُلد بصحّة جيّدة والفحوصات الطبّية التي أجريت له عندما وُلد أظهرت ذلك، إلا أنه أصيب بحمّة شديدة بعدما انفصلنا أنا ووالده سبّبت له في سحايا، وعلمت حديثاً أن تطور حالته إلى ما هو عليه اليوم كان نتيجة عدم عرضه على طبيب آنذاك لمعاينته”. وكان أحمد يبلغ من العمر أربعة أشهر عندما افترق والداه.
ورداً على تساؤلات الرأي العام عن والدته التي لم تعلم بحياة ابنها، قالت مريم “أيُعقل أن تتخلى أم عن ابنها ولا تسأل عنه؟ لقد حرمني والده من رؤيته، لو علمت بتطوّر حالته لكنت تابعت وضعه الصحّي”.
ويعمل والده س.ش حداداً، وتُقدّم له بلدية الأنصار مساعدة مالية لتعليم ابنته من زوجته الثانية من ضمن برنامج مساعدات اجتماعية تقدّمها البلدية لذوي المداخيل المحدودة.
ووجّهت مريم، اللائمة إلى زوجها السابق الذي أهمل أحمد ما أدّى إلى تطوّر حالته الصحّية نحو الأسوأ.
وقالت “لو كان فعلاً مهتماً بوضع ابنه لما ورد في تحقيقات قوى الأمن الداخلي أن ابن عمّ أحمد أي ابن شقيق طليقي، هو من تكفّل برعايته ومتابعة وضعه الصحّي”.
وعاش أحمد بعيداً عن الناس ولم يخرج من “السجن العائلي” الذي وُضع فيه إلا لمرّات قليلة، كما أفادت والدته. لكنها أشارت إلى “بعض التضخيم الإعلامي في إظهار قضيته”، قائلة “إنه كان يزور شقيقته كاتيا في بيروت من وقت إلى آخر بعد أن تزوّجت، وكنت أراه عبر الصُوَر التي ترسلها لي كاتيا”.
وبغصّة تختم الوالدة قائلة: “رغم كل ما حصل مع ابني أحمد إلا أنني أصبحت مطمئنة إلى وضعه. فهو سيُكمل حياته تحت رعاية خاصة من وزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسسات تُعنى بحالات مشابهة له. وأكثر ما أثلج قلبي أنني رأيته مباشرة وضممته إلى صدري، وهو غمرني بقوّة وكأنه عرف أنني والدته رغم غياب عشرين عاماً”.
وهزّت قضية أحمد الرأي العام اللبناني، واشتعلت منصّات وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات ومواقف الناشطين معبّرين عن غضبهم من الإهمال الذي كان ضحيته.
من جهته، قال رئيس بلدية الأنصار، علي فيّاض، “إننا أبلغنا وزارة الشؤون الاجتماعية إضافةً إلى جمعية خاصة عن حالة أحمد منذ أكثر من خمسة أشهر، لكن القوى الأمنية تحرّكت الآن، ونحن كبلدية لا سلطة لنا لدخول بيوت الناس للكشف عن حالات إنسانية كهذه”.
وعلى قاعدة «رب ضارّة نافعة»، لفت رئيس البلدية إلى “أن قضية أحمد التي هزّت المجتمع اللبناني قد تكون عبرة لكل عائلة تُخفي حالات إنسانية داخل بيوتها من دون أن تعالجها، فكما هناك مظلومون في السجون، هناك أولاد مظلومون داخل بيوتهم المليئة بالأسرار”.
يذكر أن وزارة الشؤون الاجتماعية (مهمتها الاهتمام بحالات كهذه) كانت أصدرت بياناً قبل يومين أسفت فيه للخبر الذي هزّ المجتمع اللبناني”، وأعلنت أنها بدأت تتابع القضية بحيث سيتوجه فريق منها لمعاينة الشاب ذوي الاحتياجات الخاصة والقيام باللازم وتأمين الحماية له من خلال استقباله في إحدى المؤسسات المتعاقدة مع الوزارة.
ودعت المواطنين متى اكتشفوا أي انتهاك بحق أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة تبليغ أقرب مركز للوزارة، وتؤكد أن رقي الدول يتمثل بمدى احتضانها للمستضعفين فيها”.