الرأي , ثقافة
أمير الشعراء.. تجارة التصويت تغتال الشعر
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
في الموسم الأول للبرنامج الشعبي “شاعر المليون”، كتبت مقالا بعنوان: “شاعر المليون.. الجمهور بين حكم المنطق وظلم العاطفة”، انتقدت فيه جملة من الموضوعات أهمها أن البرنامج لم يعتمد المنطق والحياد والعدل في قرارات اختيار الفائزين، بل ترك قضية تحديد الفائزين لجيوب الجماهير الذين وقعوا في فخ التصويت والتعصب القبلي وفي فخ هذه التجارة. وارتكب الجمهور الذي يصوت غالبًا لبني قبيلته من المشاركين بالبرنامج، الظلم، وابتعد عن معاني المروءة والعدل وتحكيم العقل.
أصبح الجمهور الذي لا يُميّز بين الغثّ والسَّمين هو الحكم، فكلما ازداد جمهور الشاعر (المشاركون في التصويت من أبناء قبيلته) رجحت له الكفة وسحق الشعراء الآخرين بأموال الرسائل والأصوات وليس بكفاءة شعره، وكلما قل جمهور الشاعر وبالتالي قلت الرسائل والأصوات خرج من المنافسة حتى لو كان أفضل شعرا وخيالا.
اليوم تعود القناة نفسها وعبر برنامج “أمير الشعراء ” لتمارس وتكرس الخطأ المعيب نفسه وتغتال الشعر وتشّوه الفكرة الجميلة، من خلال تجارة التصويت المنافية للمنطق والمنافسة الشريفة، لتترك الأمر للجمهور الذي قد لا يحكمه عقل ولا حياد وربما لا ذوق ولا جمال.
فمثلا شاعر مغمور أو من دولة عربية فقيرة، لن يجد من يصوت له بسبب أن قيمة الرسالة قد تعادل قيمة رغيف الخبز، بينما شاعر من دولة غنية، سوف يجد من يصوت له عشرات المرات وبآلاف الأصوات.
بل وأدهى وأمر من ذلك هو قيام موقع البرنامج الإلكتروني ببيع الأصوات مباشرة وبالجملة، ويمكن لأي أحد أن يشتري 500 أو ألف صوت ويمنحها لأحد الشعراء المشاركين، ويدفع عبر الموقع بالبطاقة الإئتمانية، إلى درجة أن الموقع يمنح خصمًا خاصًا عند شراء أكثر من (500) خمسمائة صوت دفعة واحدة. فعلا إنها تجارة رخيصة جدا وتسيء للأدب والثقافة ولمفهوم المسابقة السامي.
للأسف اكتفى القائمون على البرنامج بمهمة واحدة فقط وهي حساب أعداد الأصوات ورسائل الجوال ومعدل الدخل من الرسائل والأصوات، ولو أن الجمهور يختار وفق المستوى الفني والثقافي والقواعد المتبعة للترشيح وله مبرراته الجادة والمعقولة في الاختيار لبات الوضع رائعا ومفيدا وأكثر جمالا وأصبحت المنافسة واضحة للجميع، ولكن الواقع يقول غير ذلك تمامًا.
ينبغي في مثل هذه المسابقات عدم رمي الكرة في جيوب الجماهير، بل بإيجاد لجنة تحكيم محايدة ومتفرعة لعدة أقسام، فلجنة للفكرة والاقتباس والوصف والتصوير وأخرى للغة واختيار المفردات وثالثة للوزن والقافية وهكذا، ومن خلالها تخرج لنا لجنة التحكيم بأمير الشعراء، أعتقد أن جميع المتنافسين هم شعراء ويستحقون اللقب، ولكن في عملية التصويت وشراء الأصوات يكون هناك بخس وظلم كبير للشاعر وللشعر وللفكرة.
تخيلوا أن تخضع القائمة القصيرة لجائزة البوكر أو نوبل لتصويت الجمهور، وليس النقاد والروائيين.
أشيد بهذه الفكرة التي قدمت لنا نموذجا جديدا من المتعة التلفزيونية ومن الإبداع في البرامج الثقافية، فكرة برنامج واقعي قادرة على منافسة البرامج المستنسخة والسخيفة من برامج تلفزيون الواقع، وهذا يثبت أنه سيظل هناك فكر وثقافة أصيلان ومهما ابتعدنا عنهما سنعود إليهما متى ما وجدنا الإعلامي والممول اللذين يفهمان ويقدسان الثقافة والفن الأصيل، وليس التجاري. فلا لتدنيس الفكرة ببيع الأصوات!