واشنطن تسعى لتكرار الاتفاق مع إيران للإطاحة بالأسد
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
واشنطن – من حسين عبدالحسين
يكاد الخبراء في العاصمة الأميركية يجمعون على أن الرئيس السوري بشار الأسد صعّد من غاراته الجوية ضد اهداف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) سعياً منه لإقناع حكومة الولايات المتحدة انها ستجد في نظامه – كما في الماضي شريكا يمكن الركون اليه في «الحرب على الإرهاب».
لكن حرب أميركا على الإرهاب في عهد الرئيس باراك أوباما تختلف عما كانت عليه في زمن سلفه جورج بوش. اليوم، لا تسعى الولايات المتحدة الى التنسيق مع أنظمة تتمتع بأجهزة بوليسية يمكنها ضبط الأمن في بلدانها، بل تحاول العثور على شركاء محليين في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون.
في الحالة العراقية، رفضت واشنطن التحالف مع حكومة لا تتمتع بتمثيل مكتمل، لأن أي تنسيق مع حكومة رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي كان من شأنه ان يرسل رسائل مفادها انحيازا أميركيا للحكومة ضد خصومها، وبذلك، تخلق واشنطن لنفسها خصوما جددا. عوضاً عن ذلك، رهنت أميركا مشاركتها في المجهود العراقي ضد «داعش» باستبدال المالكي برئيس حكومة يتمتع بتمثيل مقبول حتى يكون للحملة العسكرية فعالية أكبر وحتى تدوم نتائجها لفترات أطول.
طهران، بدورها، وافقت تماما على السيناريو الأميركي وقامت بالايعاز لحلفائها الشيعة بضرورة اخراج المالكي، موضوع الشكوى لدى الكرد والسنة، واستبداله بشخصية تضمن توسيع التمثيل الشعبي في الحرب ضد «داعش».
ومنذ تسمية حيدر العبادي رئيساً لحكومة العراق المقبلة، دأب المسؤولون الاميركيون في فريق الرئيس أوباما على تسريب انباء مفادها ان إيران تعاونت في العراق لأن الحل ضمن لها مصالحها، وانه يمكن اقناعها بالطريقة نفسها باستبدال حليفها الأسد بشخصية من صفوف نظامه تلقى قبولاً سورياً أوسع، بالضبط مثل العبادي، الذي عمل مطولا في عداد فريق المالكي وفي صفوف حزبه «الدعوة الإسلامية».
هكذا، يعتقد مسؤولو ادارة أوباما انه «يستحيل» ان يعود الأسد شريكا في «الحرب على الإرهاب»، وان أي شريك سوري في هذه الحرب يشترط ان يتمتع بتمثيل واسع وان يحوز على موافقة المعارضة والنظام في الوقت نفسه.
ويعتقد مسؤولو إدارة أوباما انه يمكن التوصل الى هذه التسوية في سورية، ومباشرة الحرب على الإرهاب، بتعاون إيراني وسعودي كامل، على غرار ما حصل في العراق.
لكن في تفكير فريق أوباما مشكلة، يعتقد الفريق المشكك بهذا السيناريو الأميركي، وخصوصا من بين أعضاء الكونغرس من الحزبين.
في الكونغرس، يعتقد بعض الأعضاء ان طهران «لم تذرف الكثير من الدموع» على المالكي، وأنها استبدلته بشخصية أكثر قرباً منها، «كما كان السوريون يستبدلون حلفاءهم بحلفاء آخرين في المناصب الرئاسية في زمن احتلالهم لبنان».
ويقول المشككون في نظرية فريق أوباما القائلة ان إيران ستتخلى عن الأسد كتخليها عن المالكي ان إدارة أوباما «تعيش في ارض الاحلام». اما السبب في هذا التشكيك فيعود الى اعتقاد بعض أعضاء الكونغرس المعنيين ان إيران انفقت الكثير من المال والدماء في سورية من اجل إبقاء الأسد نفسه في سدة الحكم، وأنها – على عكس العراق – تعتقد ان قواتها وقوات الأسد قادرة على القضاء على كل التنظيمات المعارضة والارهابية من دون تدخل أميركي.
«لماذا تشاركنا إيران في سورية حيث تعتقد انها تمسك بالوضع ويمكنها الفوز؟» يتساءل المشككون.
لكن التقديرات العسكرية الأميركية تشير الى شبه استحالة في ان ينجح الأسد في القضاء على «داعش»، حتى لو استعان بسلاحه الجوي، فالتنظيم يتمتع بقدرات تناهز مقدرة الجيوش النظامية، والغارات الجوية التي تقوم بها قوات الأسد تفتقر الى الدقة، وغالبا لا تشارك في مجريات المعارك بتقديمها غطاء جويا، بل تشن غارات عقابية وقصفا عشوائيا. هكذا، سيتعذر على قوات الأسد على الأرض استعادة أي أراض او القضاء على «داعش».
في العراق، الضربات الجوية الأميركية تتمتع بدقة هائلة، وتصيب آليات عسكرية ثقيلة تعود لـ«داعش» وارتال مقاتلين وتجمعاتهم، وتفعل ذلك بالتنسيق مع القوات المقاتلة على الأرض من البيشمركة الكردية والعشائر، وهو ما يمنحهم الوقت لاستعادة مساحات واسعة سيطر عليها هذا التنظيم، وأن يجبر مقاتليه على التخفي وعدم التنقل بتشكيلات يمكن للمقاتلات الأميركية رؤيتها.
إذا، في وقت لا يمكن للأسد الفوز من دون المقاتلات الأميركية التي تشكل عنصرا حاسما في المعركة، يمكن ان تجد إيران نفسها بحاجة الى معونة أميركية للتخلص من «داعش» في سورية، كما في العراق، وهو ما يعني تراجع طهران عن تمسكها بالأسد، وموافقتها على استبداله بآخر من نظامه كشرط على إقامة شراكة بين الجيش السوري، والمعارضة، بغطاء جوي أميركي، يقضي على «داعش»، ويتحول التحالف الى حكومة دائمة لمرحلة ما بعد الأسد.
وفيما يستمر الجدل داخل واشنطن، وبين أميركا وإيران، يبدو جلياً أن الأسد يدرك ان عليه ان يظهر ضرورة بقائه وعدم الاستغناء عنه، لذا، قام بتكثيف غاراته الجوية ضد «الدولة الإسلامية»، بعد فترة طويلة على ما كان يبدو شبه اتفاق ضمني بين الطرفين على عدم الاشتباك في مواجهات مباشرة.
(نقلا عن الرأي الكويتية)