الرأي
عالمة جينات تحتاجها المختبرات ومراكز البحوث وليس العمل الإداري
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
من الأخبار التي نُشرت خلال الفترة الأخيرة، كان هناك خبر عن تعيين الدكتورة إيمان بنت هباس المطيري مساعداً لوزير التجارة والاستثمار بالمرتبة الممتازة، وكانت قبل ذلك مستشارة لوزير التجارة والاستثمار، والمشرفة العامة للجنة التنفيذية لتحسين أداء الأعمال في القطاع الخاص. وحتما أن هذا الاختيار والتعيين لم يكن إلا لأن الدكتورة آهل لذلك لكن عطفا على تخصص المطيري في الأبحاث الطبية الجينية وكونها حاصلة على الدكتوراه في الكيمياء العضوية الحيوية من جامعة بريستول البريطانية، والأستاذية في علم الجينات من جامعة هارفرد العريقة في أميركا، وبعد ذلك حازت على منحة من مؤسسة الملك فيصل الخيرية وجامعة هارفرد لإكمال أبحاثها الجينية في مجال علم الجينات (علم الوراثة البشرية). ثم عملت ثلاث سنوات في ولاية شيكاغو كباحثة قبل عودتها للملكة، حتى وصلت إلى منصب مستشارة معالي وزير التجارة والاستثمار. كنا نتمنى أن يكون مكان الدكتورة إيمان المختبرات ومراكز البحوث لتكون الاستفادة منها أكبر وأجدى خاصة ونحن كصحفيين نلاحظ منذ سنوات عديدة وإلى هذا اليوم النقص الحاد والكبير في عدد أطباء وباحثي الجينات في السعودية ناهيك عن نقص العيادات المتخصصة التي تقدم هذا النوع من المتابعة وتقديم الاستشارات في الأمراض الوراثية، حيث يعاني العديد من المواطنين من الأمراض والاضطرابات الوراثية ومن الأمراض الوراثية النادرة المعاصرة لسكان المملكة بسبب نقص المختبرات ومراكز البحوث، وتعاني المختبرات الوطنية ومراكز البحوث الموجودة أيضًا من النقص الحاد في أعداد الباحثين.
أيضا هناك الدكتورة تماضر الرماح الحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم الإشعاعية والهندسة الطبية من جامعة مانشستر البريطانية في عام 2007م، وتُعد عالما مشاركا متعاونا في قسم الفيزياء الطبية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وأستاذا مساعدا في قسم العلوم الإشعاعية بجامعة الملك سعود بالرياض، وعملت كذلك أخصائية في قسم العلوم الإشعاعية في نفس الجامعة، ولكن تفاجأنا بقرار تعيينها نائباً لوزير العمل والتنمية الاجتماعية ”للتنمية الاجتماعية”، في وقت نحتاجها فيه لتغطية العجز في مجال البحث العلمي.
وقبلهما، الأمثلة كثيرة ولكن أشهرها حياة سندي التي قالت ذات مرة: “كنت أحلم بأن أصبح عالمة مشهورة كالعلماء المسلمين العظماء كالخوارزمي وابن الهيثم وابن سينا، وأن أقدم في يوم من الأيام شيئا مفيدا للإنسانية”، حياة سندي الحاصلة على الدكتوراه من جامعة كيمبريدج العريقة وقبلها درست في جامعة كنجز جوليج في لندن في التقنية الحيوية وعلوم الأدوية والتي أمضت شطرا كبيرا من حياتها باحثة ومخترعة في العاصمة البريطانية لندن وحاليا في أميركا، والتي تم اختيارها من قبل منظمة عالمية ضمن أفضل 15 عالما في مختلف المجالات الذين ينتظر ويتوقع منهم أن يغيروا الأرض عن طريق أبحاثهم وابتكاراتهم.. والتي أيضا لها دراسات متقدمة في أدوات القياس الكهرومغناطيسية والصوتية والتي دعتها وكالة الفضاء ناسا وكذلك أفضل معاهد الأبحاث وأكثرها أهمية وحساسية في أميركا للعمل فيها بحكم خبرتها العظيمة في مجالها، أخيرا تم تكريمها بوظيفة مرموقة وعادت لوطنها عام 2013م ولكن بوظيفة عضوة في مجلس الشورى ، بصورة لم تكن تحلم أو حتى تفكر بها.. حياة لم تحلم بذلك لسبب بسيط وهو رغبتها الدائمة بالعودة لوطنها لقيادة ميدان العلوم والتقنية الحيوية وليس العمل الإداري والاجتماعات المملة التي تقتل فرص ووقت الإبداع والاكتشاف، دول غربية كثيرة تدعو حياة سندي للعمل لديها وفي مختبراتها، وتقدم الدعم والمنح البحثية لها محاولة لاستقطابها.
طبعا هذه المعضلة تشمل حتى الرجال، وليس فقط النساء حتى لا تلاحقني النسوية. فهذا الجراح العالمي د. عبدالله الربيعة، وبعد نجاحه في عمليات الجراحة، خسرته العيادة حيث عُين مديرا للمستشفى ثم وزيرا للصحة، حيث فشل وغادر الوزارة الكبيرة. لذلك هناك ازدحام بالمواعيد والعمليات في مستشفياتنا الحكومية تصل إلى عدة أشهر أحيانا، والسبب هو تكليف الطبيب أو الجراح والباحث الطبي والعلمي في عمل إداري أو لجان ومناسبات واجتماعات يقضي فيها وقت أكثر مما يقضيه داخل العيادة أو في غرفة العمليات أو المختبر ومركز الأبحاث.
ولسنوات هناك مبتعثين ومبتعثات، طارت الصحف بأخبار اكتشافاتهم الطبية واختراعاتهم الهندسية، ولكن أين هم الآن. اختفوا تمامًا، لأنهم عادوا لوطنهم للقيام بأعمال وظيفية إدارية روتينية، ولم يعودوا باحثين مكتشفين ومخترعين، عادوا إلى مكاتب وليس إلى مختبرات ومراكز بحوث. البيئة هنا تختلف تماًما عن بيئة الجامعات في أوروبا وأميركا وكندا التي درسوا فيها وساعدتهم على الإبداع ومن ثم الاكتشاف. البيئة لدينا طاردة للإبداع بل قاتلة، والسبب النظام الإداري العقيم.