المتنمر إدارياً..

نسمع كثيراً عن التنمر في المدارس، وكثير من الأبحاث السلوكية والاجتماعية شخصت هذه المظاهر السلوكية وأوجدت لها الوقاية والعلاج، ولكن بالمقابل لم تعط نفس الأهمية للتنمر الوظيفي بالرغم من كونه ظاهرة متستراً عليها وأكثر خطورة وتأثيراً.

اليوم التنمر الوظيفي أو استغلال الصلاحيات والسلطة لقمع الكفاءات وممارسة أشكال التمييز الوظيفي وضعف العدالة والمساواة الوظيفية يعدّ ظاهرة مسكوتاً عليها لمصالح فئوية، إلى جانب تفضيل وخوف المتنمر عليهم من المزيد من الأذى الذي قد يصل إلى قطع مصادر رزقهم مما حدا بالبعض إلى الصمت والآخرين اللجوء لديوان المظالم أو اللجان العمالية وقلة من يتجاوز صمته ويذهب للهيئات الرقابية أو لهيئة حقوق الإنسان ونزاهة، والكثير منهم يكسب القضية بالرغم من فجور الخصم في مخاصمته.

اليوم بيئات العمل المسمومة والمستباحة من فئة من المديرين والمسؤولين السلطويين لا تحظى بالتقييم المستقل من قبل الأجهزة الرقابية أو العليا وليس هناك استطلاعات للرأي منظمة من قبل تلك الجهات المستقلة لمعرفة ما يدور داخل أروقة الوزارات والهيئات الأخرى من ممارسات إدارية لا تمت للإدارة بصلة، ناهيك عن استغلال مفرط وغير قانوني للصلاحيات المالية والإدارية وتوظيف بعض المسؤولين للإدارات القانونية كمكتب محامين له لترقيع أخطائه وإخراج تنمره على شكل سيناريو للوي الحقائق وممارسة المزيد من التنمر.. وهنا أتساءل: ما حدود سلطة أي مسؤول؟ وما الصلاحيات التي تطلق يد أي مسؤول للتنمر؟ وهل هناك أي جهة حكومية رقابية بادرت بتقييم السلوكيات والقدرات المعرفية لأي مسؤول من خلال التغذية الرجعية لردود أفعال من هم يعملون في بيئة عمله؟

اليوم الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والأثر على السلم الاجتماعي جراء التنمر الوظيفي غير مقبولة وتضر بالإنتاجية ومستوى الولاء الوظيفي وغير الوظيفي وتضرب المواطنة الفعالة في مقتل وتخلق لنا الكفاءات السلبية والصامتة التي استثمر فيها الوطن لسنين لنجدهم في آخر المطاف مركونين منكفئين على أنفسهم ومحبطين.

اليوم التنمر الوظيفي قتل معنوي للشراكة الوطنية وجودة الحياة من بعض المحسوبين على القيادة والإدارة ومن هم محسوبون عليهم، مما يتطلب تأسيس مركز وطني مرتبط بالمقام السامي وتقييم بيئة العمل الحكومي مثل ما يقوم به المركز الوطني لقياس الأداء الحكومي.. فأي جهاز عندما يأتي مسؤول ويفرغه من المحتوى المعنوي يصبح جهازاً محسوباً على الدولة ولكن بسلوك وفكر تنمري، وسنجد تلك المؤسسة مؤسسة كرتونية لا تهش ولا تنش وعبئاً على المواطن والتنمية والدولة.

د. عبدالله الحريري

نقلاً عن (الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *