ميزانية تتجاوز التوقعات
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
تم الإعلان عن أعلى ميزانية في تاريخ المملكة وهي ميزانية بلغت أكثر من تريليون ريال، حيث كشفت أرقام ميزانية السعودية 2019، عن إنفاق قياسي بـ 1.106 تريليون ريال، بنمو 7.3 في المائة عن عام 2018. وبحسب الأرقام التي أعلنتها وزارة المالية السعودية فإن الإيرادات المتوقعة في 2019، تقدر بنحو 975 مليار ريال، بنمو 9 في المائة عن 2018. كما أن المتوقع أن يتراجع العجز في الميزانية لعام 2019 بنسبة 4.2 في المائة إلى 131 مليار ريال، فيما سيصل الدين العام إلى 678 مليار ريال، ليشكل 21.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وهذا النمو الجيد في الميزانية السنوية للمملكة خلال الفترة القصيرة، خصوصا بعد الإعلان عن “رؤية المملكة 2030” وإن كان في الفترة الماضية القصيرة، إلا أن هناك خططا على المدى المتوسط تعزز من حجم النمو المعتدل.
المراقب للميزانية سيسهل عليه تمييز حالة التحسن بصورة عامة في الميزانية، ما يدل على الكفاءة في الإنفاق والإدارة الجيدة للموارد المالية وكيفية توزيع الإنفاق، إضافة إلى نجاح آلية الدعم المالي الذي يستهدف الفئات المستحقة بصورة أكبر للدعم، إضافة إلى برنامج تنويع مصادر الدخل، ومن أبرز صوره ضريبة القيمة المضافة التي كانت لها أثر في تحسين إيرادات الميزانية وتخفيف الاعتماد على النفط كمحور رئيس وغالب على الميزانية.
تتميز الأرقام بأنها جاءت في مجملها أفضل من التوقعات سواء في مستوى النمو أو فيما يتعلق بحجم الإيرادات أو فيما يتعلق بالميزانية ذاتها، وهذا يدل على كفاءة الاقتصاد وتنوع الفرص فيه، وأنه مع التقدم في برنامج الإصلاحات سيلاحظ وجود فرص جديدة لم تكن في الحسبان ومع الاستمرار في الإدارة الجيدة للميزانية قد نشهد تحقيق إنجازات تسبق مواعيدها؛ إذ إن “رؤية المملكة 2030” حلم وطموح لشكل المملكة العربية السعودية الجديدة، ومع تحقق إنجازات سريعة وجيدة سيكون الحلم أقرب.
بالنظر إلى الميزانية نجد أنها جاءت توسعية بشكل معقول بما يحقق استدامة للنمو بشكل مناسب يعزز الثقة بالاقتصاد السعودي، ويكون أحد عناصر الجذب للاستثمارات، باعتبار أن المملكة تستهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية النوعية، إضافة إلى أهمية وجود الاستثمارات الأجنبية التي تتطلع إلى الاستثمار على المدى البعيد، والتقلبات في الاقتصاد يمكن أن تكون عامل طرد للاستثمارات لا جذبا، وهذا ما يمكن أن يحققه النمو المعتدل.
جاء حجم النمو للاقتصاد أفضل من التوقعات في عام 2017 الذي شهد انكماشا محدودا للاقتصاد، فرغم أن حجم النمو كان 2.3 في المائة، إلا أنه كان أفضل من التوقعات التي قدمتها مجموعة من المؤسسات المتخصصة، التي كان بعضها يتوقع ألا يتجاوز النمو في الناتج المحلي 2 في المائة. والمتوقع مع الزيادة في الإنفاق والاستمرار في سياسة تنويع مصادر الدخل والعمل على تخفيض العجز أن ذلك سيؤدي – بإذن الله – إلى الاستمرار في زيادة وتيرة النمو ويحسن من البيئة العامة للاستثمار في المملكة، وسيمثل عنصر جذب، باعتبار أن المملكة تشهد استقرارا اقتصاديا.
الملاحظ من الخطة التنموية للمملكة خلال الفترة المقبلة أنها اعتمدت على التوازن في أربعة أمور، وذلك من خلال التوازن بين الاستثمار وتنويع مصادر الدخل أولا، والإنفاق على المشاريع التنموية بوتيرة تتزايد باعتدال سنويا ثانيا، والثالث العناية بجودة الحياة، وذلك بتحسين الظروف المعيشية للمواطن بشكل مباشر وغير مباشر، إضافة إلى ضبط حجم الدين في مستويات معتدلة ومناسبة لحجم الميزانية والناتج المحلي.
تطورت الميزانية وتبعها الناتج المحلي للمملكة بما يعكس حجم النمو للاقتصاد في المملكة، وأن تكون عضوا مستمرا في نادي العشرين اقتصادا الأضخم في العالم، حيث بلغ الناتج المحلي للمملكة أكثر من تريليوني ريال وهو ما يعادل أكثر من 680 مليار دولار.
خلال الفترة القصيرة الماضية شهدت المملكة مجموعة من المبادرات والمشاريع العملية التي تهدف إلى الاستفادة من كثير من الموارد غير النفطية مثل المعادن، التي تم تعزيزها من خلال مشاريع “وعد الشمال” في شمال المملكة، وهي منطقة واعدة لكثير من المصادر والثروات خصوصا المعدنية، كما أن هناك عناية واهتماما ببناء مدن عصرية جاذبة لمشاريع التقنية المتقدمة، إضافة إلى العناية بالسياحة، حيث تزخر المملكة بمواقع تاريخية نادرة، إضافة إلى التنوع في أجوائها ومناطقها، ما يعزز من فرص جاذبيتها عالميا، كما أن المواطن في المملكة وفي الخليج عموما ينفق كثيرا على السياحة والاستفادة من جزء من هذه الأموال التي تنفق على السياحة الخارجية، يمكن أن يكون له مردود كبير في المملكة وهو جزء من برامج تحسين جودة الحياة والإنفاق على الترفيه بشكل مناسب ومعتدل من قبل المواطن.
لا بد من الإشارة إلى أنه في هذا العهد الميمون نجد أن هناك كفاءة عالية في الإنفاق، ما عزز من القدرة على الإنفاق في المجالات الأكثر فائدة، وتخصيص مجموعة من المؤسسات الحكومية قد يزيد من فرص الإدارة الأمثل للموارد وزيادة إنتاجية القطاعات الخدمية في المملكة.
لعل أحد أبرز التحولات التي يشهدها الإنفاق في المملكة هو العناية بتوزيع الثروة بصورة تحقق التوازن وتعتني بالمواطن الأكثر حاجة، حيث إن التحولات الاقتصادية والمشاريع التنموية في الوقت الذي تعزز فيه من فرص القطاع الخاص لتحسن من إيراداته، نجد أن العناية بالمواطن محدود الدخل تمثل أهمية لتخفف عنه أثر هذه التحولات عليه، كما أنها في الوقت نفسه تحسن من فرص العمل للمواطن مع التحسن الكبير في مؤهلات القوى العاملة الوطنية.
فالخلاصة أن الميزانية العامة للمملكة جاءت بحمد الله أفضل من المتوقع، وهذا يدل على الكفاءة الإدارية والعمل على اتخاذ القرارات التي تدعم تحقيق التنمية المستدامة، وتوازن بين الإنفاق والاستثمار وجودة الحياة وإدارة أمثل للدين والعجز، وهذا بدوره يدعم استمرار النمو في المملكة وتحقيق “رؤية المملكة 2030”.
د.صلاح بن فهد الشلهوب
نقلاً عن ( الاقتصادية)