الرأي
فوال الطائف ولغز الجودة.. وزارة الصحة نموذجًا!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كان لدينا في الحارة فوال قديم، المطبخ غير نظيف وجودة الوجبات سيئة، ورغم ذلك المكان مزدحم لأنه لا يوجد غيره، في بداية هذا العام افتتح فوال جديد أنظف وأفضل مكانا وطعاما في الشارع نفسه، فتأثر دخل الفوال القديم، الذي بعد تفكير وتخطيط لجذب الزبائن، خرج بفكرة وحيدة وهي تغيير اسم المحل إلى (فوال الطائف) وهو اسم معروف في سوق الفوالين ويجذب الناس عادة، ولكن نسي أن سر النجاح ليس في الاسم وإنما في الجودة والخدمة المقدمة.
أيضا تذكرت قصة أخرى عايشتها في الحارة قديما، كان هناك مطعم انطلق باسم (خان الخليلي)، إشارة إلى المنطقة الشعبية القديمة في القاهرة المصرية، ولكن لم يكتب له النجاح ولم أعرف السبب حينها، ثم تغير الاسم إلى مشويات (أبو نواس)، إشارة إلى منطقة وشارع أبو نواس في بغداد العراقية، ولم ينجح أيضا، وهذه المرة ربما بسبب ضعف جودة الطعام وتدني مستوى طزَاجَة اللحوم. فتم إغلاقه فترة من الزمن ثم كان الافتتاح الجديد باسم مطعم (النواعير) للمشويات إشارة إلى نواعير حماة السورية، ولم تمض فترة طويلة حتى أُغلق نهائيا. كنت أتسائل في كل مرة لماذا لم يفكر صاحب المطعم في تحسين مستوى الجودة والخدمة وبناء الثقة مع المستهلك، بدلا عن صرف ماله ووقته في محاولات البحث عن اسم رنان يجذب الزبائن.
يمكن إسقاط هاتين القصتين على واقع الحال في الوزارات لدينا في السعودية، وعلى رأسها الصحة والتعليم والتجارة وقطاع حماية المستهلك، وزارات تحرص كل الحرص على الخروج علينا في كل مرة بمسميات جذابة لمشاريع وبرامج تحمل وعودا وأخبارا جميلة عند التعريف بها وإطلاقها في المؤتمرات الصحفية وتصاميم الإنفوجرافيك ومقاطع الفيديو الدعائية القصيرة في تويتر، ولكنها في محصلتها النهائية لا تحسن من قيمة وجودة المنتج النهائي ولا يشعر بقيمتها المواطن، وتغفل هذه الوزارات عن المشاكل الحقيقية وعن محاولة إيجاد الحلول الجذرية لها.
فمثلا إعلانات وزارة الصحة الكثيرة ومشاريعها المبتكرة مثل مواعيد المراكز الصحية عبر التطبيق الإلكتروني، والعيادة الإلكترونية، وحسابات السنابشات والإنستجرام وفيسبوك، وطريقة حساب مؤشر كتلة الجسم، أو حساب الموعد التقريبي للولادة عبر موقع الوزارة الإلكتروني. هي لمسات رائعة ويحتاجها المواطن وجزء من التطوير، ولكن المواطن المريض بحاجة إلى ما هو أبعد من هذه اللمسات، بحاجة إلى سرير عند الطوارئ بدون عناء البحث عن واسطة وفزعات، وهو بحاجة إلى موعد ضروري ومستعجل في مستشفى حكومي أيضا بدون واسطة وتذلل للموظفين، وبحاجة إلى الدخول إلى مستشفى تخصصي نادر أو العلاج في الخارج بدون انتظار أوامر عليا، وبحاجة إلى علاج مستعجل بدون أن يضطر إلى الإعلان عن حالته في تويتر أو وسائل الإعلام أملا بلفت إنتباه المسؤول أو أمير المنطقة.
فعلا أمر وزارة الصحة محير جدا، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ يعاني بعض المواطنين من أمراض وراثية تحمل في جيناتها إعاقات دائمة قد تنتقل إلى أولادهم، ولكن يمكن معالجتها والفحص عنها مبكرا أثناء فترة الحمل، ولكن مثل هذه المراجعات والكشف لا يتم إلا في مستشفيات تخصصية يصعب الدخول إليها بدون واسطة، وفي حال تجاهل هؤلاء المواطنين وتعقيد أمورهم وهو ما يحدث حاليا للأسف، فسوف ينتج عن ذلك أطفالا معاقين أو مصابين بأمراض مزمنة، الأمر الذي يكلف الدولة أموالا طائلة لاحقا من خلال الإعانات الاجتماعية أو متابعة توفير العلاج، وإشغال المسشتفيات بالمراجعات لهذه الحالات المزمنة. وقبل ذلك كله إشغال المواطن عن أن يكون مواطنا منتجا فتجده تائها وضائعا نفسيا بين المستشفيات من أجل البحث عن موعد أو علاج. وهل يعقل مثلا أن يعطيك المستشفى التخصصي للعيون موعدا بعد عام كامل أو ستة أشهر على الأقل! وأنت تعاني الأمرين في نظرك وتفكيرك!
هل ساهمت الجوائز التي تحصل عليها وزارة الصحة وشهادات الجودة العالمية بتوفير سرير أو علاج أو موعد مناسب لمواطن مريض بدون شرط الواسطة أو بدون إغراق تويتر بتغريدات تتوسل المسؤولين وفاعلي الخير؟ لماذا لا يوجد خط مباشر مع الوزير عند عدم القدرة على الحصول على سرير أو علاج أو موعد ضروري في مستشفى تخصصي، أو خط مباشر للمواطن مع مجلس الوزراء عند عدم قدرته على الحصول على حقوقه الأساسية من وزير الصحة أو التعليم.
المسميات الرنانة مهمة لسرعة وسهولة ترويجها، ولكن الأهم هو توفير السرير والعلاج والمواعيد بدون واسطة وبدون سيمفونية “تعرف أحد” .
وينطبق الحال على جميع الوزارات كما ذكرت أهمها التعليم والتجارة ، أيضًا نجد المشكلة نفسها عند القطاع الخاص، عند وكلاء الشركات العالمية، تجد رجل أعمال محلي يحصل على وكالة شركة سيارات أميركية أو كورية أو شركة أجهزة منزلية يابانية، ولكن لا يقدم نفس جودة الخدمة التي تقدمها هذه الشركات في موطنها الأصلي، فيصبح مجرد وكيل محلي لا يحمل من العالمية أو من الجودة الألمانية واليابانية سوى إسمها.
من أجل بناء مواطن منتج فعال في مجتمع متقدم؛ يجب أن يعيش المواطن حياته بلا هموم الصحة والتعليم التي تدمر نفسيته وإنتاجه، يجب أن تنتهي مشاكل الصحة والتعليم وأن تتم حماية حقوق المستهلك، حتى لا يمرض المواطن نفسيا وهو يطوف في ممرات المسشفيات مع كل موعد، وحتى لا يضيع دخله المالي بحثا عن مدرسة آمنة وقريبة من منزله تكفيه هم التعليم لأولاده، وحتى لا يضيع وقته وجهده وهو يطارد وكيل محلي من أجل إصلاح غسالته اليابانية أو سيارته الكورية. فالوقاية خير من العلاج الذي لا يأتي إلا بالواسطة.