الحقيقة الغائبة في قضية خاشقجي
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لم يشهد العالم قضية شهدت جدلاً كبيراً، واتسعت دائرة تكهناتها، وقفز على استنتاجاتها، وزادت شائعاتها، وسط كم نادر من معلوماتها، كما قضية اختفاء الزميل جمال خاشقجي. نحو 6 آلاف خبر ومقال وتقرير من 68 دولة حول العالم، غالبيتها العظمى لم تعتمد على معلومة حقيقية، أو مصدر رسمي، أو دليل مؤكد. للمرة الأولى، ربما في تاريخ بعض وسائل الإعلام الرصينة، ولا نتحدث عن وسائل إعلام اعتدنا منها الكذب والتزوير، يتم الاعتماد على مصادر مجهولة للترويج للقصة من زاوية واحدة. أخبار كاذبة، اتهامات زائفة بوجود أوامر للقتل، تحريض غير مسبوق، ومزايدات رخيصة، وهجوم محموم، حتى الجوانب القانونية لم تتم مراعاتها في توجيه اتهامات صريحة بالقتل، دون الأخذ بالاعتبار الحقوق القانونية لمن تم اتهامهم وإصدار الأحكام عليهم. ربما هناك من سيقول إن ذلك ليس جديداً على بعض وسائل الإعلام في استخدام هذه الأساليب لترويج قصة ما، لكن الغريب هو ما كنا نظنه وسائل إعلام رصينة ثم اكتشفنا أنها تتسابق للاعتماد كلياً على جانب واحد من القصة، وهو المصادر التركية غير الرسمية، يُروى لها ما يشاء فتصدقه ويبنى عليه ثم يعتبر الحقيقة المطلقة، وهي حالة لم نشهد لها مثيلاً في عالم الصحافة.
منذ اليوم الأول لاختفاء جمال وغالبية التقارير التي نشرت وبُثت احتوت على مغالطات كثيرة وروايات مختلقة لم تستند إلى حقائق وإنما على تكهنات وتسريبات، ووضعت هذه الحملات نصب أعينها المملكة، لا الحقيقة، كهدف. للأسف لم تكن الغاية سلامة جمال كما يبدو، بقدر ما كانت السعودية هي المستهدفة بتلك الاتهامات الخطيرة والتصعيد الممنهج، فلو كان غير جمال في نفس المكان وهو مواطن سعودي لرأينا نفس السيناريو، بينما لو كان جمال من جنسية غير سعودية لما شهدنا ولو عُشر هذه الحملة الإعلامية المجحفة، فكانت حفلة الاتهامات الخطيرة التي وجهت للمملكة كدولة بشكل غير موضوعي، وكأن هناك من سعى لتسييس القضية منذ ساعتها الأولى وقبل معرفة حقيقة تفاصيلها ونتائج تحقيقاتها، فاستباق نتائج التحقيق في هذه القضية بلغ درجات متقدمة ربما يؤثر بشكل سلبي في النتائج، فقد تم إطلاق الأحكام مسبقاً، وحُدد المتهمون مبكراً وألبسوا ثوب الإدانة، والخشية أنه مهما كانت نتيجة التحقيقات الرسمية، التي يجريها فريق سعودي – تركي مشترك، فإن الآلة التي تعمل بشكل متواصل لا تنتظر أصلاً ما ينتهي إليه فريق التحقيق، أليس هي المرة الأولى التي تنعكس فيها القاعدة القانونية بأن البينة على من ادعى لتصبح البينة على المدعى عليه؟!
الحملة الشرسة غير المهنية التي تخوضها وسائل الإعلام الغربية في هذه القضية، ستكون لها تأثيراتها الخطيرة جداً في تعميق الهوة بين الشرق والغرب، وإيجاد منفذ يدخل منه الذين يبحثون عن هذه الثغرات لإنفاذ سمومهم، لا جدال أنه من حق الصحافة البحث عن الحقيقة والركض من أجل الوصول للمعلومة، لكن ليس من حقها أبدا التجييش والتحريض وإطلاق الاتهامات جزافاً اعتماداً على استنتاجات فحسب. الأكيد أننا سنكتشف لاحقاً أنه أينما كانت الحقيقة في اختفاء خاشقجي، فإن انعكاسات مسار التغطية التي شابها الكثير من اللامهنية، سيتردد صداها لدى من يتحينون الفرص للضرب على وتر نظرية المؤامرة وكراهية الغرب، وستتعزز مفاهيمهم المغلوطة بعد أن كان هناك ردم لجزء كبير من تلك الهوة في السنوات القليلة الماضية.
سلمان الدوسري
(الشرق الأوسط)