من يحمي الآخر الآن أكثر.. أميركا أم حلفاؤها؟
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الرئيس ترمب له خصال عظيمة وله أخرى ماثلة في تلك التغريدات والأقوال التي أصبحت على كل لسان، وما يهمني الآن ما كرره أخيراً من أن أميركا تحمي حلفاءها الأثرياء وهم لا يدفعون الثمن ولابد أن يدفعوا، ومنذ عدة أيام خص المملكة بهذا وقال إن عليها أن تدفع لأنه لولا الحماية لربما لم تصمد أسبوعين.
بصراحة هذا كلام مستفز لا يليق فضلاًِ عن كونه غير صحيح، فأميركا لا تحمي أحداً بل مثل كل الدول تسعى لحماية مصالحها، ومع هذا فهي في أحيان كثيرة لا توفق كما حصل في أفغانستان والعراق، فقد خسرت مئات مليارات الدولارات في العراق والكثير من جنودها، وكانت النتيجة أنها أضرت كثيراً بالعراق وسلمته لعدوتها إيران على طبق من ذهب بعد أن خلصتها من عدوها صدام فأصبحت إيران هي المتحكم الأول فيه عسكرياً وسياسياً ومنه انتقلت لسورية وأصبحت أكبر مهدد للمصالح الأميركية في المنطقة وقد استدركت أميركا فعبرت عن عزمها الدفاع عن مصالحها أمام إيران بتحجيم نفوذها في العراق وسورية ولبنان ولكنه كان تعبيراً بأقوال لم تسندها الأفعال على الأرض بالشكل الكافي حتى الآن فكانت النتائج كما نراها، تنامي المصالح الإيرانية على حساب الأميركية، ولاشك أن هذه تركة الرؤساء السابقين وبالذات أوباما وأن ترمب بدأ مساراً تصحيحياً قوياً لكن مع هذا فالأحرى بأميركا أن تهتم بحماية مصالحها في المنطقة بدل الحديث عن حماية حلفائها.
أميركا بلاشك هي الدولة الأعظم لكن قوتها الملموسة الضاربة الآن لم تعد تتمثل في أفعال جيشها بل في أفعال دولارها الذي أصبح عملة التبادل التجاري على المستوى العالمي مما مكنها من الهيمنة به على العالم، فهي ليست فقط تستطيع معاقبة الدول والأحزاب السياسية بل تتمكن لو شاءت من معاقبة بائع بقالة في أقصى الأرض وهذه الهيمنة لا تكلفها إلا عمليات قيدية بالقلم الأحمر الأميركي في وزارة خزانتها، فمن أسس لها تلك القوة الضاربة غير المكلفة وحماها..؟ أليس حلفاؤها الذين دعموا الدولار واعتمدوه عملة للتبادل في وارداتهم وصادراتهم البترولية وغير البترولية؟ وهؤلاء الحلفاء أليسوا هم الذين حموا بفوائض أموالهم الاقتصاد الأميركي بشراء سنداته ومولوا بهذا عجز ميزانياته؟
لن أفترض تخلي هؤلاء الحلفاء عن دعم الدولار ليكون وسيلة التبادل الدولي وتخليهم عن السندات وتمويل عجز الميزانيات وتوقع ما سيحصل لقوة أميركا بعد ذلك لأني أعرف أنهم لن يفعلوا هذا فالعاقل لا يرد الإساءة بفعل يضر به نفسه.
وأعرف أيضاً أن حديثي عن الحماية ليس واقعياً، وأعتذر لكوني فعلت لكني اضطررت وإلا فالصحيح أن الدول في علاقاتها وأفعالها إنما تحمي مصالحها وفي سبيل ذلك تتقارب وتتعاون وهو تعاون في الغالب ليس بلا مقابل ولا يعني أنه متماثل في القيمة والأهمية ولذا فلو أجرينا جردة حساب لاتضح أن أميركا هي المدينة لحلفائها.
د. عبدالله بن ناصر الفوزان
(الرياض)