قطار الحرمين .. نقلة نوعية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كتبت قبل شهرين تقريبا مقالا في هذه الزاوية بعنوان “القطارات بين المناطق.. ضرورة وليست ترفا”، وأشرت في هذا المقال إلى أن من أهم المشروعات التي يجب أن تتابع للتنفيذ في مواعيدها تلك الخطة الاستراتيجية للسكك الحديدية، وضربت أمثلة على ذلك بعدة خطوط من شأنها ربط مناطق بلادنا، ومن ضمنها مشروع قطار الحرمين السريع، الذي يربط مكة بالمدينة مرورا بمحافظة جدة، ولم أكن أقدر أهمية هذا الخط لقلة المعلومات المتوافرة عنه آنذاك، لكن بعد تدشين هذا الخط رسميا يوم الثلاثاء الماضي برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، اتضحت جوانب مهمة لا بد من التركيز عليها ليكون هذا المشروع خير مثال على مستوى تنفيذ المشاريع عموما ومشروعات القطارات خاصة، وأهمها الناحية التقنية العالية وفق مواصفات عالمية لا تتوافر في كثير من الدول، مع أخذ الجوانب الاقتصادية، وتوفير فرص العمل للمواطنين في مقدمة الأهداف التي يقوم عليها المشروع. وقد سعد الجميع بصف من المواطنين والمواطنات يتولون تشغيل القطار والإشراف على إدارته بشكل كامل. ومن هنا أقول إن مشروع قطار الحرمين يجب أن يكون مثالا للمشروعات التي تعمل الجهات المختصة على تنفيذها لربط جميع مناطق بلادنا، فلا نريد العودة إلى الخلف، واعتماد قطار تقليدي مستوى وسرعة وعرضة للتعطل والتأخير كما حصل في بعض الخطوط القائمة حاليا، وستجد الخطوط الحديدية إقبالا كبيرا؛ لأن ثقافة استعمال القطار بدل السيارات في الرحلات الطويلة قد وجدت ترحيبا من المواطنين، خاصة الأسر الكبيرة التي تريد الانتقال في مجموعات إلى أماكن الاصطياف، كالطائف والمناطق الجنوبية أو الشمالية، والأهم إلى مكة والمدينة، وكما قلت في مقالي السابق فإن بلدا متعدد المناطق، ويسكنه أكثر من 30 مليون نسمة يتطلب توفير وسائل نقل فعالة ومعقولة التكاليف للانتقال بين أطرافه، وطلبت من المؤسسة العامة للخطوط الحديدية تأكيد التزامها بتنفيذ خطتها في موعد لا يتعدى عام 2040، كما ذكرت المؤسسة عند صدور الخطة. كما اقترحت تبني برامج توعية إعلامية بمزايا النقل والانتقال بالقطارات سواء داخل المدن أو بين المناطق، ولكن كالعادة لم يكن هناك أي تعليق أو تفاعل من جميع الجهات ذات العلاقة. وأخيرا: لا بد من الإشادة أيضا بالدور الذي سيقوم به قطار الحرمين لخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار، حيث سيوفر عليهم الوقت والجهد في الانتقال بين مكة والمدينة، ويوفر لهم رحلات سريعة ومنتظمة وفق أعلى المستويات، وبذلك ينعم المواطن والزائر لهذه البلاد بخدمة جديدة عرفها العالم قديما، لكنها جاءت الآن بشكل متطور بعد استفادتنا من الأبحاث والتجارب التي قامت بها تلك الدول التي اعتمدت القطارات وسيلة أولى للنقل، مثل بريطانيا التي اخترعت القطار عام 1804، وكما يقال رب ضارة نافعة، فتأخرنا في اعتماد القطارات بشكل شامل قد جعلنا نختار أحدث التقنيات، وأفضل ضوابط الأمان والنقل السريع والمريح، ومشروع قطار الحرمين “مرة أخرى” خير مثال على ذلك.
علي الشدي
(الاقتصادية)