حادث الأحواز ليس مَنْ… لكن لماذا؟
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
منظر القتل العشوائي منظر مقزز لأي إنسان سوي، والإرهاب مذموم في أي مكان وقع، وبأي شكل من الأشكال هو تجلى، منظر الهاربين من الرصاص في الأحواز الذي بُثّ على وسائل التواصل الاجتماعي، يثير كل مشاعر الإنسان السلبية، ليس فقط قتل الجنود الروس في نعشهم الطائر يستحق الإدانة؛ فهي حالة إنسانية بالضبط كحالة قتل السوري في المدن والقرى السورية لمدة ثماني سنوات بقنابل روسية وميليشيات إيرانية أو مؤجرة من إيران، تسقط سقوف المنازل على رؤوسهم، ويبحثون عن أطفالهم الرضع بين الركام والغبار المتطاير وينتشلونهم أشلاء، وبعضهم بالملايين يخاطرون في ترك بلدانهم عبوراً من البر إلى البحر الهائج، فراراً من قنابل ورصاص صُنعت في مكان ما في الأرض الإيرانية! أشكال الإرهاب كلها مدانة في الأحواز أو في غيرها، قتل فيها أشخاص أو آلاف من البشر. دفع رواتب «حزب الله»، والأحزاب المحاربة مع أو نيابة عن إيران في كل من سوريا والعراق واليمن هو أيضاً إرهاب، تستنزف إيران وتدفع من خزينة الشعوب الإيرانية لقتل الآخرين الأبرياء والآمنين، والجنرال الإيراني يظهر علناً في مناطق عربية متجولاً أيضاً شكل من أشكال الإرهاب، ولولا هذا الدعم لانتهت الحرب الأهلية في سوريا منذ زمن، وتغلبت مصالح كل السوريين على شهية بعضهم في الحكم والسلطة، ولولا الدعم الإيراني لأصبح في اليمن مدارس بدلاً من منصات صواريخ. ويحصل كثير من التابعين لإيران – منظمات وجماعات – على التدريب والتمويل من أجل أن يثخنوا في الجسم العربي الجراح العميقة، وفي الوقت نفسه تُستنزف ميزانية الجمهورية الإسلامية الشحيحة أصلاً والواقعة تحت حصار دولي، فينتج من كل ذلك عدم استقرار وعوز مزمن في الداخل الإيراني، مُشاهَد من سقوط العملة إلى شح المواد الأساسية، إلى انتشار الفساد والبطالة الذي يقابله القمع. وعلى سبيل تسويق المأساة داخلياً لكسب الرأي العام الداخلي، سارعت طهران باتهام دول خليجية بعينها، كما سارعت باتهام دول غربية وأوروبية بأنها خلف أحداث الأحواز الدامية، هنا الخطيئة التي تعيد ارتكابها طهران، كما ارتكبها عدد كبير من الدول القمعية، لوم الآخر والإصرار على عدم النظر إلى الأقرب، ودراسة الأسباب الحقيقية، باتهام الأبعد، وتسويق ذلك على الجمهور الإيراني والموالين لطهران. حقيقة الأمر، لو كان هناك عقل سياسي لا يقع تحت الحشد والتهويل والتضليل، لاعترف بأن هناك أخطاء مميتة في مسيرة النظام، هي التي تجعله، في الحالة الأحوازية، وفي غيرها، يُضيع البوصلة. فهناك في عربستان يقدر العرب الشيعة في الجنوب الإيراني (الأحواز) بما لا يقل عن 25 مليون نسمة تقريباً مهضومي الحقوق، حتى شيعيتهم لم تشفع لهم، وهناك عدد كبير من «الأقليات»، إن صح التعبير، بل إن العنصر الفارسي بحد ذاته هو أقلية من ضمن الأقليات، فشل النظام في الاعتراف بالتعددية العرقية والمكانية والمذهبية، وفشله الاقتصادي وتوفير حد أدنى من الحريات، وافتراضه أن صيغته فقط في الحكم هي التي يجب أن تسود، مع تدخل طويل مزمن ومكلف وعبثي في الجوارين الأدنى والأبعد، هو الذي يسبب تلك الشروخ في جسم الدولة الإيرانية «الإسلامية»، ويجعل من الأحداث السابقة، وحادث الأحواز وأحداث مماثلة في المستقبل قابلة للحدوث. هذا التجاهل جعل من النظام في طهران يستدعي ممثلي ثلاث دول غربية، هي الدنمارك وهولندا وإنجلترا للاحتجاج على سقف الحريات عندهم، على أساس أنها متاحة للمعارضة الإيرانية، لا أعرف لماذا استثنيت باريس! إلا بسبب الانتقائية التي هي الصفة الملاصقة للنظام، نسي أو تناسى من وجه اللوم في وجه ممثلي الدول الثلاث حقيقتين؛ الأولى أن هناك لدى دول كثيرة متحضرة حرية القول متاحة، مهما كانت ولأي سبب، والأخرى، وهي الأهم، أنه لولا حرية القول تلك، لما استطاع السيد الخميني أن يسجل على كاسيتات وهو في مقامه الفرنسي في نوفول لوشاتوه، تلك الرسائل الساخنة للشارع الإيراني التي حملت جميع من في الحكم الآن إلى السلطة، لم يتوقف مقدم الاحتجاج ليتذكر، أنه لو خضعت السلطات الغربية منذ أكثر من أربعين عاماً لاحتجاجات الشاه، في خفض سقف الحريات عندهم، وتسليم الخميني لسلطاته، كما يطلب الآن، لما كان هو في السلطة في ذلك المكتب المكيف في وزارة الخارجية الإيرانية اليوم!
صلب الإشكالية الإيرانية، أن النظام قد وضع نفسه في سكة مسدودة، هي استمرار الثورة وإخضاع البلد لكل متطلباتها، وتجاهل كامل لمتطلبات الدولة، على أمل أن يصبح الجوار، وبخاصة العربي خاضعاً لها، في محاولة غير معلنة لسيادة «العنصر الفارسي» القومي!، وقتها يتمتع الشعب الإيراني بالاستقرار والنماء كما يعدون. إنه بالضبط حلم إبليس في الجنة، واضح من العقبات التي تواجه النظام أن فشله مركّب في السقوط في غيبوبة الثورة، وعدم وجود آلية لصحوة «الدولة»، ولا يريد أن يفهم أن الخضوع في بعض الجوار ما هو إلا خضوع انتهازي في أغلبه. خذ مثلاً استمرار الحوثي في تجويع اليمنيين وسحق أطفالهم، وأخيراً تنظيم «جماعات تشبه الجستابو» في صنعاء لجر المخالفين إلى السجون والتعذيب، مثل هذه الممارسات لا يمكن أن تقدم للشعب اليمني المدرسة والمستوصف، وقبل ذلك الاستقرار! مثلها مثل ضبابية النظام السوري الذي أثخن شعباً بكامله بالبراميل المتفجرة، وترك ملايين الأطفال دون تعليم، وفتح سجوناً أكثر عدداً من المستشفيات، مهما طال به العهد فهو بالتأكيد مقاوم من جموع غفيرة من السوريين ومعه كل حلفائه. نظام البعث الأسدي لم يستطع أن يقدم شيئاً في الماضي، ولن يفعل ذلك في المستقبل، بل إن المشاهد أن روسيا الاتحادية تغرق في بحر من التورط السياسي والعسكري، كما غرقت سابقتها في أفغانستان، هذه المرة بشكل أكثر فداحة. أما وضع الإيراني في بغداد فالشواهد تبرز يومياً على رفض الشارع العراقي لذلك النفوذ، وهو رفض يتجاوز قشرة الانتماء الطائفي إلى لبّ الانتماء الوطني، وتجلى في حرق تلقائي لمبنى القنصلية مؤخراً في البصرة. أما العجز الكامل فصورته شاخصة في لبنان، حيث يتحكم «حزب الله» في مفاصل الدولة اللبنانية بقوة السلاح، ويفرض على آخرين تحالفاً في مجمله انتهازياً، وفي الوقت نفسه تتضخم هجرة اللبنانيين الأصحاء عقلاً، كما يغمس لبنان في غياهب الديون والبطالة والتلوث والفساد والنفايات، وتنظم فيه برعاية الحزب البلطجة! بيت القصيد أن المتسيدين في النظام الإيراني لا يريدون أن يروا أو يعترفوا بالفشل الواسع النطاق لمشروعهم، إن كان ثمناً مشروعاً، ولتلك العشوائية السياسية، وهم بالتالي يزحفون مع أخذهم من مشى معهم إلى الهاوية، والمزيد من الآلام والدم، في محاولة الإجابة الصعبة عن سؤال من فعل ذلك، بدلاً من السؤال المستحق لماذا تم فعل ذلك؟!
آخر الكلام:
السيد حسن روحاني على منبر الأمم المتحدة «يشتكي» مما سماه «الإرهاب الاقتصادي» ويتجاهل بفوقية إرهاب البنادق والصواريخ الإيرانية على أرض العرب!
محمد الرميحي
(الشرق الأوسط)