عملية الأحواز الأخيرة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
العملية الفدائية الأخيرة التي حدثت في الأحواز، أو حسب اسمها التاريخي (عربستان)، لا علاقة لها بداعش؛ لأن داعش تعمل لمصلحة إيران، فهل من المعقول أن يطلق الإنسان النار على نفسه؟.. كما أن هذه العملية التي أدت إلى مقتل 29 إيرانيًّا هي عملية مقاومة وتحرر من الاحتلال الفارسي البغيض، فمن يبرر لإيران أن تنتقم من أهل الأحواز هو بالقياس المنطقي كمن يبرر لإسرائيل عملياتها الانتقامية من الفلسطينيين عندما يناضلون من أجل تحرير وطنهم من الاحتلال الإسرائيلي. تركيا ولبنان وسوريا وكذلك روسيا شجبوا العملية، واعتبروها إرهابًا، بينما هي عملية مقاومة مشروعة، من المفروض أن أول من يقف معها ويساندها العرب؛ لأن من قام بها، واستُشهد من أجلها، هم عرب أقحاح. وفي تقديري، إن الوقت مناسب لحركات المعارضة الأحوازية العربية للبدء في إشعال الفتيل، وأرجو من كل قلبي أن العملية الفدائية الشجاعة هذه هي أول الغيث الذي من شأنه أن ينهمر لاحقًا. إيران الآن تتكالب عليها الظروف من كل حدب وصوب، وهي في حاجة لمعجزة كي تنجو منها، وهناك أقليات عرقية أخرى تتوثب للتحرك مطالبة بالانفصال، مثل الأكراد في الشمال الإيراني، والبلوش في الشرق الجنوبي من إيران. وإذا ما أحست هذه الأقليات الإثنية أن نظام الملالي قد أنهكته العقوبات الاقتصادية التي من المزمع فرضها ابتداء من نوفمبر القادم فمن المرجح أن تتكاثر الحركات المطالبة بالانفصال والاستقلال، تمامًا كما تفككت يوغسلافيا. الدول المعاصرة اليوم تبقى إذا بقي الاقتصاد قويًّا، وتفنى إذا تضعضع الاقتصاد وضعف. الاتحاد السوفييتي مثلاً هزمه الاقتصاد شر هزيمة، ولم تنفعه ترسانة القوة النووية التي يمتلكها. وإيران ليست في قوة ولا قدرة ولا مكانة ولا نفوذ الاتحاد السوفييتي، فكيف يمكن لها النجاة من هذا المصير الحتمي، ولاسيما أن إيران تتكون من إثنيات وطوائف ومذاهب شتى، تمامًا كما كان الاتحاد السوفييتي؛ الأمر الذي يجعل تلك الحركة الفدائية الأحوازية تحمل دلالات ذات أبعاد لا يمكن للمحلل أن يتجاهلها.
والأحواز كانت دولة عربية محتلة من بريطانيا حتى عام 1925 ميلاديًّا، ثم غزاها شاه إيران رضا بهلوي، وضمها إلى إيران بالقوة، وعمل على (تفريس) عربها، وغيَّر اسمها التاريخي من الأحواز إلى خوزستان، وقامت في هذه الدولة العربية المحتلة محاولات عدة، تطالب باستقلالها عن إيران، إلا أنها لم تحقق أي نجاح بسبب شراسة قمع نظام الشاه، ثم نظام الملالي. ولو نسقت حركات التحرر العربية والكردية والبلوشية مع بعضها، وتم تمويلها ودعمها من قِبل مناوئي نظام الملالي، فسوف تكون الفرص مواتية لنجاحها، ولاسيما أن حكومة الملالي ستختنق بسبب العقوبات، ولن يكون بوسعها مواجهة الثورات من الداخل إذا ما توسعت، وتم تنظيمها، والتنسيق بينها بشكل جيد.
كل ما أتمناه أن تكون العملية الفدائية الأخيرة واحدة من ضمن عمليات متلاحقة، ولا تكون يتيمة.
إلى اللقاء.
محمد آل الشيخ
(الجزيرة)