حكومة باكستان: نسعى لتطبيق تجربة ولي العهد
أكد دولة رئيس وزراء باكستان عمران خان، أن زيارته إلى المملكة العربية السعودية، كانت محطته الأولى خارجيًّا؛ لأنها تأتي تلبية لدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، وفرصة لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة، موضحًا أن هذا تقليد باكستاني عريق جرت عليه الحكومات المتعاقبة.
وقال خلال حوار مع قناة (الإخبارية): “إن في قلب كل باكستاني حبًّا استثنائيًّا للمملكة. ونحن ندعو إلى المملكة ونتمنى أن تظل آمنة ومزدهرة”، مشيرًا إلى أن الباكستانيين يريدون أن يظهروا للشعب السعودي “أننا نقف بجوار المملكة التي وقفت معنا في أوقات الأزمات”، ومشددًا على أن باكستان لن تسمح لأحد بأن يعتدي على المملكة، وأنها ستقف معها، موضحًا أهمية حل الصراعات عن طريق الحوار السياسي، مضيفاً أن بلاده على استعداد للعب دور إيجابي لإنهاء الأزمة في اليمن.
وأوضح دولة رئيس وزراء باكستان أن المملكة دولة محورية ومركز العالم الإسلامي؛ لما تمتلكه من مخزون نفطي وقوة سياسية ومالية، واحتضانها مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأنه يمكن للمملكة أن تلعب دورًا كبيرًا في القضاء على الصراعات والتقريب بين الشعوب، مؤكدًا أن باكستان ستتعاون مع المملكة من أجل إطفاء تلك النيران وإحلال السلام.
وقال دولة رئيس الوزراء “عمران خان” إن “باكستان عانت في الأعوام الـ15 الماضية من الحرب على الإرهاب، وقتل 88 ألف باكستاني في تلك الحرب، وكانت الخسائر الاقتصادية أكثر من 100 مليار دولار، وتم تدمير المناطق القبلية. وكل ما نريده الآن هو السلام والاستقرار في باكستان ولكل الجيران”.
ووصف دولة رئيس وزراء باكستان محاولات التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة تحت دعاوى حقوق الإنسان؛ بأنها نوع من الاستعمار الجديد و”إمبريالية ثقافية”، موضحًا أن الدول تتطور وتنمو في ظل ثقافتها الخاصة وتاريخها ودينها الخاص، لا عندما تفرض عليها ثقافة الأقوياء، مشيرًا إلى أن محاولات التغريب الثقافي الزائف هي أحد أسباب الأزمة الثقافية والمشكلات الاجتماعية ومن أسباب ردة الفعل الأصولية.
وأشاد دولة رئيس وزراء باكستان بحملة مكافحة الفساد التي بدأها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في المملكة، وقال إن هذا بالضبط ما يجب أن يفعله في باكستان، وأوضح أنه يريد تعزيز منظومة الحكم في بلاده، وتغيير أوضاع النصف الأفقر من المجتمع إلى الأفضل اقتصاديًّا، من خلال الاستثمار في الطاقات البشرية، والإنفاق على تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية، وبناء دولة مؤسسات قوية.
وذكر دولة رئيس الوزراء “عمران خان” أن عدد سكان بلاده 200 مليون نسمة، وهي ثاني أكثر الشعوب شبابًا، ولديها فرص غزيرة ومنوعة للاستثمار؛ لأنها بلد متنوع جدًّا؛ حيث إن لديها 12 منطقة مناخية من أعلى المناطق الجبلية إلى البحر، مضيفًا أن المملكة العربية السعودية ستحصل على فرص كبيرة للاستثمار في باكستان.
وقال رئيس الوزراء “عمران خان” إنه يتطلع إلى الحديث مع سمو ولي العهد في المجالات التي يمكن أن يفيد فيها كل من البلدين الآخرَ، معتبرًا أن التعليم من أكبر هذه المجالات، وأضاف أن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان من أبرز الفرص التي تدفع الآخرين إلى الاستثمار في باكستان، وذكر أنه سيبدأ بإقامة جامعات بأحدث التقنيات، وسيبدأ بإنشاء أحدث جامعة في قصر إقامة رئيس الوزراء، وأنه قرر أن يعيش في بيت صغير، مؤكدًا أهمية بناء اقتصاد المعرفة والاستثمار في الإنسان.
وقال رئيس وزراء باكستان إنه يسعى إلى بناء باكستان الجديدة التي كان يحلم برؤيتها في شبابه.. دولة الإنسانية والعدالة والكفاءات والرعاية الاجتماعية، التي كان يتطلع إليها الآباء المؤسسون.
وفيما يلي نص الحوار:
* دولة رئيس الوزراء، أود أن أبدأ لقائي بسؤال الساعة الذي يطرحه الملايين في المنطقة العربية: من هو عمران خان؟ هل هو لاعب كريكت مشهور؟ أم أنه الرجل الذي عُرف بإنسانيته الجياشة؛ حيث نجح ببناء أشهر مستشفى لعلاج الأورام السرطانية في العالم بباكستان؟ أم أنه السياسي الذي ناضل 22 عامًا ليحقق رؤيته حول باكستان الجديدة؟
** في الواقع، عمران خان هو إنسان عادي، لديه أحلام كبيرة؛ فهو ذلك الإنسان الذي يحلق في أحلامه، ولديه أفكار كبيرة وإبداعية، ويناضل لتحقيق هذه الأحلام، وفي كل مرة كنت أواجه نكسات وأزمات في حياتي، وكنت أتعلم من تلك الأوقات الصعبة والأزمات.
ودعني أكن صريحًا معك.. أنا لا أتذمر من تلك اللحظات العصيبة؛ لأنني تعلمت منها أن الفشل هو أفضل مدرسة للتعليم.
تسألني: “من هو عمران خان؟”.. عمران خان هو الإنسان الذي بدأ حياته في عالم لعبة الكريكت، وتعلم كيف يكافح في رياضة الكريكت، وكيف ينتصر، كما تعلم ألا تقهره الخسارة.
لقد رأيت والدتي -رحمها الله- تعاني من مرض السرطان، فقررت حينها أن أبني مستشفى لعلاج السرطان باسم “شوكت خانوم” تخليدًا لذكراها.
وبعد اعتزالي الكريكت، شرعت في بناء المستشفى الخاص بالأورام السرطانية، ثم قررت بعد ذلك أن أعمل على بناء باكستان الجديدة التي كنت أحلم برؤيتها في شبابي. وللأسف، باكستان لم تكن تسلك تلك الوجهة في ذلك الحين، وبدأ نضالي الثاني لتغيير باكستان. وإن كلمة “نيو باكستان” أو باكستان الجديدة هي باكستان التي يتطلع إليها الآباء المؤسسون.
وكان قدوتي هو مؤسس باكستان “محمد علي جناح”، وهو القائد الذي لم يكن أعظم قائد عرفته باكستان فحسب، بل وكان القائد الأعظم في القرن الـ20، بجانب الفيلسوف والشاعر الباكستاني “محمد إقبال”. هؤلاء القادة ساهموا في بناء باكستان. وتوجهت بلادي نحو منحنى خاطئ؛ لذلك انخرطت في العمل السياسي.
22 عامًا من النضال السياسي
وبعد 22 عامًا من النضال السياسي، أضحت لدي فرص لتحقيق أحلامي؛ فالسلطة لها هدف، والسلطة التي نملكها الآن هي حلمي الأخير الذي أرغب من خلاله في أن أرى باكستان دولة للإنسانية والعدالة والكفاءات والرعاية الاجتماعية.
شفافية وصراحة لا متناهية
* شعرت من خطاباتكم السابقة وإجابتكم لسؤالي، أنكم تتعاملون بكل شفافية ووضوح وصراحة مطلقة.. فهل تعتقدون أنه خلال الأعوام الخمس المقبلة من حكمكم، أنكم قادرون على حل الأزمات المتراكمة التي تواجه باكستان والتي تَعود إلى عقود من الزمن؟
** دعني أحدثك كمسلم: إننا حين نصلي 5 مرات في اليوم فإننا ندعو الله -تعالى- جميعًا شيئًا واحدًا، وهو ما ورد في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). وكل ما أُمرنا به من المولى -عز وجل- أن نسأل الله ذلك الصراط المستقيم.
وكما تعلم، فإن التوفيق ليس في أيدينا، بل في يد الله -سبحانه تعالى- وكل ما يرجى منا فعله هو أن نجتهد في هذا الطريق الذي هدانا الله إليه. وكل ما نخطط فعله هو تغيير باكستان لنضعها على الطريق المستقيم الذي يجب أن تسير عليه الدولة؛ حيث يجب أن نؤسس مجتمع العدالة والإنسانية.
إذن فهذا كل ما نحاول فعله.. سنغير الطريقة التي تحكم بها باكستان، وسنغير طريقة تفكير شعب باكستان، وسنحقق ذلك بطريقتين:
أولًا- سنرفع حالة النصف الأفقر من المجتمع إلى الأفضل اقتصاديًّا، بدل أن نسمح للأغنياء بتوسيع ثرواتهم، وسننتشل الشعب من الفقر بالطريقة التي سلكتها الصين؛ حيث قام قادة الصين العظماء بانتشال 700 مليون إنسان من الفقر خلال الأعوام الـ30 الماضية، وأضحت الصين قوة عالمية.
كل ما نريد فعله هو ألا نكرر ما كانت تفعله باكستان على مدى الأعوام الماضية من أخطاء؛ حيث كان الأغنياء يزدادون غنى.. نريد أن نرفع سويةً الفقراء إلى حالة أفضل اقتصاديًّا، خصوصًا تلك الطبقة التي تعاني من الفقر والبطالة.. نريد أن نحسن مستوى هذه الطبقة الفقيرة؛ لذلك أختلف جذريًّا مع الطريقة التي كانت تدار بها باكستان في السابق.
أما النقطة الثانية فهي أننا نريد أن نجعل باكستان الدولة التي تستثمر في الطاقات البشرية، وأن ننفق الأموال على الإنسان وعلى البنية التحية. وعندما نطور الإنسان، فإن الإنسان يستثمر في البنية التحتية؛ فالمفتاح الأساسي هو صحة الإنسان وتعليمه، بالإضافة إلى توفير المياه الصالحة للشرب، فضلًا عن بناء دولة مؤسسات قوية؛ فالدول تنهض ببناء مؤسسات قوية وليست هزيلة.
وللأسف، الغرب يتحكم في قراراتنا؛ لأن لديه مؤسسات قوية، ولدينا مؤسسات ضعيفة. ويجب أن تكون الدولة والأفراد أقوياء. ولكن ليس فوق القانون. وللأسف، في بلادنا لدينا مؤسسات ضعيفة، وضعف المؤسسات يعني أن القوة للأفراد؛ فعلى سبيل المثال دولة كسويسرا من الدول الأوروبية العريقة، وهناك لا يمكنك أن تعرف من هو رئيس الوزراء؛ لأن المؤسسات قوية والحكومة تذهب وتأتي حكومة أخرى، لكن المؤسسات تظل قوية.. هذه هي دولة المؤسسات الحقيقية.
أما في بلادنا -ويا للأسف – فقد عانت من حكم الاستعمار، ومن الديمقراطية الناشئة؛ لهذا فإن مؤسساتنا ضعيفة، وبدلًا من أن ننفق المال على تنمية الإنسان، نظل نعمل على بناء مؤسسات قوية للدولة.
المملكة في قلوب الباكستانيين
* دولة رئيس الوزراء، نشعر أن الحراك السياسي المحلي النشط حاليًّا مفعم برؤية باكستان الجديدة، ولقد راقبنا تحولات السياسة الباكستانية الخارجية في الوقت نفسه أيضًا.. كيف ترون الحراك السياسي الباكستاني النشط في الإطار الجيوسياسي والإسلامي بجانب إعادة تموضع باكستان الجديدة لتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية؟
** دعني -في البداية- أقل إن باكستان عانت في الأعوام الـ15 الماضية من الحرب على الإرهاب. واختارت باكستان أن تنضم إلى الحرب على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر التي لم تتورط فيها باكستان؛ فالقاعدة كانت في أفغانستان، ودخلت باكستان في هذه الحرب، وعانت البلاد من جراء ذلك الأمرَّين، وقُتل 88 ألف باكستاني إلى الآن في هذه الحرب، وكانت الخسائر الاقتصادية أكثر من 100 مليار دولار، وتم تدمير المناطق القبلية على حدود أفغانستان. وكل ما نريده الآن هو السلام ونريد الاستقرار في باكستان، ولنحصل على الاستقرار نريد السلام لكل الجيران.
لدينا علاقات جيدة جدًّا بالأصل مع الصين، ونريد علاقات جيدة مع أفغانستان والهند. اخترنا أن نعمل، ونريد تطوير علاقات جيدة مع أفغانستان والهند تقوم على الثقة المتبادلة، وهذا ما كان مفقودًا للأسف؛ فباكستان لديها وجهة نظر، وهناك وجهات نظر للهند وأفغانستان، وهناك نقص في الثقة، بمعنى أزمة ثقة، ونحن نريد بناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة.
أما المملكة العربية السعودية فهي البلاد التي تحظى بمحبة وعلاقة خاصة في قلوب الشعب الباكستاني، والسبب الأول لذلك هو احتضان المملكة مكةَ المكرمةَ والمدينةَ المنورةَ. ولكل مسلم مشاعر استثنائية تجاه المملكة العربية السعودية، كما أن حكومة المملكة العربية السعودية كانت دائمًا كريمة، ووقفت مع باكستان في الأزمات التي مرت بها؛ فعندما كانت تعاني بلادنا من الكوارث الطبيعية كانت المملكة العربية السعودية متصدرةً في تقديم المساعدات الجبارة والكبيرة. فهناك حب استثنائي للمملكة العربية السعودية، وبالطبع فإن كل باكستاني يتمنى أن تظل المملكة العربية السعودية آمنة ومزدهرة.. كلنا ندعو للمملكة العربية السعودية.
زيارة المملكة تقليد ثابت
* دولة رئيس الوزراء، لماذا اخترت المملكة العربية السعودية لتكون المحطة الأولى في زياراتكم الخارجية؟
** في الواقع، لم أكن أود الخروج من باكستان في الأشهر الثلاثة الأولى، والسبب هو أننا واجهنا مشكلات متعددة سياسية واقتصادية ومتنوعة؛ لذا كنت أود ترتيب بيتنا الداخلي أولًا قبل السفر إلى خارج البلاد. أنا في الحقيقة لا أحب السفر خارج البلاد كثيرًا؛ لأنني أعتقد أن المهمة الرئيسية لزعيم البلاد هي متابعة مختلف المشكلات التي تواجهها البلاد، لكن المملكة العربية السعودية كانت المحطة الأولى لأنني تلقيت دعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين.
وثانيًا- أنني أراها فرصة -كأي مسلم- لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ فلذلك جعلتها استثناء. وقد جرت العادة التاريخية في باكستان عندما يتم إجراء الانتخابات، فإن الذي يفوز بالانتخابات يتوجه إلى المملكة العربية السعودية أولًا.
إذن.. كيف ترون مستقبل العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان؟ وكيف يمكن لباكستان أن تتفاعل مع قضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؟ وكيف يمكن أيضًا أن تعمل المملكة مع باكستان لحفظ الأمن في المنطقة ومكافحة الإرهاب وإحلال السلام عالميًّا؟
** أعتقد أنه قبل كل شيء، يريد الباكستانيون أن يظهروا للشعب السعودي أننا نقف بجوار المملكة العربية السعودية؛ لأن السعودية وقفت معنا في أوقات الأزمات، فإننا سنقف معها دائمًا عندما تمر في أوقات صعبة.
ثانيًا- أن ما نريد أن نفعله بشكل مثالي هو ضمان السلام في الشرق الأوسط؛ لأنه من المحبط أن يرى المسلمون هذه الصراعات بين الدول الإسلامية.
وإذا نظرت إلى العالم الإسلامي اليوم في ليبيا والصومال وسوريا وما يدور فيها، وما يدور في أفغانستان.. ماذا ستفعل باكستان؟ لحسن الحظ فإن باكستان استطاعت القضاء على الإرهاب، ونحن نسعى أن يحل السلام في الشرق الأوسط، ونرغب أن نلعب دورًا في تقريب وجهات النظر بين دول العالم الإسلامي، وتعزيز العمل الإسلامي المشترك، وسيكون هذا جهدنا الأساسي.
أما فيما يخص الجانب اليمني، فإذا كانت جهودنا مطلوبة هناك فإننا سنلعب دورًا إيجابيًا هناك لننهي الأزمة.
فرص غزيرة للاستثمار
* وفق رؤيتكم لباكستان الجديدة، ترغبون في تعزيز الاقتصاد ورفاهية الشعب، وفي المملكة أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030.. كيف يمكن للبلدين أن يعملا معًا -في رأيكم- في تعزيز الشراكة الاقتصادية؟ وفي أي المجالات ترون أنه يجب إعطاء اهتمام أكبر لتعزيز آفاق الشراكات في المجالات الإعلامية والصناعية والدفاعية؟
** باكستان لديها فرص غزيرة ومنوعة للاستثمار، وربما يكون لدى باكستان فرص أكثر من أي بلد آخر في المنطقة، والسبب هو أن لدى باكستان ثاني أكثر الشعوب من حيث عدد الشباب.. إنها البلاد التي تمتلك 200 مليون نسمة، كما أنها بلد متنوع جدًّا. وهناك شيء آخر ربما لا يعرفه أحد عن باكستان، هو أن لديها 12 منطقة مناخية من أعلى المناطق الجبلية إلى البحر، ولديها أكثر المناخات تنوعًا؛ ما يعني أن لديها مناخًا مختلفًا مع كل خطوة، فإن لدينا من مناخ أخفض منطقة إلى المناخ الجبلي البارد إلى المناخ المداري.. اثنا عشر مناخًا مختلفًا.
* 12 مناخًا؟!.. هل يمكننا أن نقول: مناخ جديد كل شهر؟
** لا لا، أريد أن أقول إن لديها مناخًا مختلف مع كل ارتفاع، ومن الشمال إلى الجنوب يتقلب المناخ؛ فإن لدى باكستان فرصًا كبيرة لإنتاج أي نوع من الفواكه، وإنتاج أي نوع من الخضار؛ بسبب هذا التنوع الذي نمتلكه، والذي يتغير من الغرب للشرق، ولديها أرض خصبة جدًّا، ولديها مخزون ضخم من المعادن، يتضمن مخزون الفحم الحجري والنحاس ومخزون الذهب وغيرها من المعادن الثمينة.
ولعل باكستان كانت لديها أسباب تمنعها من استغلال الإمكانات المتاحة؛ وذلك بسبب الحكم الضعيف. إن سبب فقر باكستان لا يعود إلى فقرها بالموارد، بل إلى سوء الحكم؛ فلذا علينا أن نعمل على منظومة الحكم.. وهذا أهم أمر.
عندما أقول: “تعزيز المؤسسات”، فإن قوة المؤسسات تعني قوة الحكم. وعندما يكون لديك حكم رشيد تجتذب الاستثمارات.
لذلك فالسبب الرئيسي في عدم رغبتي في الخروج من باكستان، وعدم مغادرتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، هو أننا نريد أن نعزز منظومة الحكم. وعندما يبدأ نظام الحكم بالعمل، فإن باكستان ستكون -على الأرجح- من أفضل البلاد للاستثمار ببساطة؛ لأنها بلد الـ200 مليون نسمة أحد أكثر الشعوب شبابًا؛ ما يعني أن لديها المحرك الأساسي للنمو؛ لذلك قلت إن علينا أن نعزز منظومة الحكم. وستحصل المملكة العربية السعودية إذن على فرص كبيرة للاستثمار في باكستان.
الممر الاقتصادي إلى الصين
* هل ترى دولتكم أن هناك مجالًا للمملكة العربية السعودية للاستثمار في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان؟
** إن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان هو م أبرز الفرص التي تدفع الآخرين إلى الاستثمار في باكستان؛ لأنه يربط البحر بالحدود الصينية، وعلى طول الطريق ستكون هناك مناطق اقتصادية ستمثل مجالات تدفع إلى استثمارات كبيرة في باكستان. وفي المستقبل، عندما يحل السلام في أفغانستان -إن شاء الله- فإن الممر الاقتصادي سيصل باكستان مع دول آسيا الوسطى؛ لأن الممر الاقتصادي سيمر عبر أفغانستان إلى وسط آسيا؛ فكل هذه المنطقة ستتغير. وهذا ما سيكون عليه المستقبل.
فعندما يكون لديك سوق كبيرة، وتتحسن العلاقات مع الهند يومًا ما، إن شاء الله، فسيكون لديك سوق هندية ضخمة من جهة، والسوق الصينية وآسيا الوسطى؛ فالوضع الجيو استراتيجي الذي تحتله باكستان يفيد في أنه إذا استطعنا ترشيد نظام الحكم كما قلت، فإن هذا أفضل الأماكن للاستثمار.
* خلال حديثكم، تحدثتم عن الشرق الأوسط بنوع من الألم، واستطعت أن ألمس ذلك في ثنايا الحديث. لقد وقع الشرق الأوسط ضحية لحرب طائفية فظيعة، وتحديدًا في سوريا والعراق واليمن ولبنان. باكستان نفسها عانت من الحرب بالوكالة قبل ذلك؛ فكيف ترون الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية وباكستان معًا من أجل إحلال السلام وجعل المنطقة خالية من العنف والإرهاب والطائفية، وخالية من الحروب؟
** المملكة العربية السعودية دولة محورية في العالم الإسلامي، وربما يعود أحد الأسباب إلى ما تمتلكه المملكة من مخزون نفطي وقوة سياسية وقوة مالية. وذلك يتوازى مع احتضانها مكة والمدينة التي ينظر المسلمون إليها على أنها مركز العالم الإسلامي؛ فالمملكة يمكنها أن تلعب دورًا كبيرًا، ونحن أيضًا نريد أن نلعب دورنا في القضاء على هذه الصراعات وتقريب الشعوب بعضها من بعض؛ لأن هذا لا ينفع إلا أعداء العالم الإسلامي. وإذا استطعنا أن نطفئ هذه النيران، فإن هذا سيعطينا دورًا أكبر لإحلال السلام.
نقف مع المملكة ضد أي عدوان
* المملكة العربية السعودية كانت -ويا للأسف- هدفًا لاعتداءات صواريخ الميليشيات الحوثية، التي حاولت أيضًا الاعتداء على الحرم المكي الشريف.. كيف سيكون رد حكومتكم إذا تعرضت المملكة العربية السعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين لأي اعتداءات؟
** هذا الموقف عبَّرت عنه جميع الحكومات المتعاقبة في باكستان، وهو أننا لن نسمح لأحد بأن يعتدي على المملكة العربية السعودية، وسنقف مع المملكة العربية السعودية، لكنني أستطيع أن أقول شيئًا، وهو أنه يمكن حل جميع الصراعات عن طريق الحوار السياسي.
انظر إلى أفغانستان.. الصراع في أفغانستان مستمر منذ 60 عامًا، ولا يزال الناس يقولون إنه ليس هناك حل عسكري في أفغانستان، وقد تم تصنيفنا سابقًا على أننا ندعم طالبان، أو طالبان خان، والآن أدرك الجميع أنه ليس هناك حل في أفغانستان سوى حل واحد وهو الحل السياسي.
وأنا أعتقد أن أي صراع له حل سياسي؛ لأن العسكرة غير مرغوب فيها والحلول السليمة هي الأفضل.
* دولة رئيس الوزراء، باكستان عضو مؤسس في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي يتخذ من الرياض مقرًّا له.. هذه المبادرة التي تبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. كيف ترى دور باكستان في هذا السياق؟
** حسنًا.. إن باكستان متمرسة جدًّا في مكافحة الإرهاب إلى درجة أنه لا أحد يمكن أن يوجد لديه خبرات لمكافحة الإرهاب مثلها. إن ما واجهته باكستان من الإرهاب كان داميًا. أنا لست متأكدًا إذا كانت هناك دولة أخرى تستطيع أن تتحمل ذلك الوضع. كان لدينا وفيات وقتلى.. كنا نتعرض يوميًّا لهجمات انتحارية كبيرة في مختلف أنحاء البلاد، بلغت ذروتها في عام 2013م؛ حين زادت حدة الهجمات الانتحارية، واستطاعت وكالة الاستخبارات والجيش الباكستاني اللذان لا أستطيع أن أوفيهما حقهما من الثناء، بجانب القوى الأمنية الباكستانية، تحقيق ما لم تتمكن أي دولة أخرى من تحقيقه.
فإن لدى باكستان هذه التجربة الفريدة، ويمكنها أن تنصح البلاد الأخرى كيف تكافح الإرهاب. ولكن في الوقت نفسه فإن السبيل الآخر يجب أن يكون الحوار السياسي؛ لأن الصراعات يجب حلها.
مثلًا، انظر إلى حركة (IRA) في بريطانيا (الحركة الجمهورية الأيرلندية) بعد 30 إلى 40 عامًا تنازلوا في النهاية وجلسوا للحوار السياسي، وتم حل الصراع؛ لذلك دائمًا أنا أعتقد أنه جزء من مكافحة الإرهاب، الحل بالحوار السياسي.
الفساد يدمر الدول
* كيف ترون الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بموجب رؤية المملكة 2030م؟ لقد أثنيتم دولتكم في الحقيقة على حملة مكافحة الفساد التي أطلقها ولي العهد.. كيف تنظر إلى هذه الرؤية؟ وهل تشعر أن هناك تشابهًا بين رؤية باكستان الجديدة ورؤية المملكة 2030؟
** بكل أمانة، نحن نشيد بحملة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية؛ فالفساد هو السبب الرئيسي الذي يجعل البلاد تظل فقيرة. أنا دائمًا أكرر أن البلاد لا تظل فقيرة بسبب نقص الموارد، ولكن تصبح فقيرة بسبب الفساد.
إن ما يفعله الفساد هو ليس فقط أن الأموال التي يجب أن تصرف على الشعب تسحب من المنظومة وتخبأ في حسابات خارجية.. ذلك سبب واحد، والسبب الآخر هو أخذ ذلك المال، والانخراط في الفساد. يمكنك أن تحصل أموالًا من المنظومة عبر تدمير مؤسسات الدولة؛ فهناك دمار كبير أحدثه الفساد؛ فعندما يكون رأس الهرم فاسدًا فإنه يدمر مؤسسات الدولة، وعندما تُدمَّر مؤسسات الدولة تضيع البلاد، وتصبح دولة من العالم الثالث.
فلا شك إذن أن حملة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية هي بالضبط ما يجب أن نفعله؛ فعندما كان سموه يقوم بذلك في المملكة العربية السعودية، كنت متحمسًا لأفعل الشيء نفسه في باكستان، ويمكننا فعل ذلك هنا. وإننا نجري الآن حملة كبيرة لمكافحة الفساد.
الرهان على الشباب
* هناك تشابه في الأطروحات بخصوص رؤية المملكة 2030 ورؤية باكستان الجديدة، خصوصًا أن معظم الشعب الباكستاني من الجيل الشاب، وكذلك معظم الشعب السعودي من الجيل الشاب أيضًا، فهل ترون أن هناك تقاربًا في كلتا الرؤيتين؟ وهل يمكن تطبيق هاتين الرؤيتين؛ ليس لنفع البلدين فقط، بل لنفع الأمة الإسلامية؟
** عندما يكون لدينا جيل شاب، تكون لدينا مسؤولية كبيرة لتعليمه وتزويده بالتعليم ذي الدرجة العالية. وهنا أنا لا أتحدث عن التعليم العام فقط، بل بالأخص التعليم العالي. نريد جامعات ذات نوعية عالية، ونحن في دولة باكستان -إن شاء الله- سنطور الجامعات الحالية، ثم نبدأ بإقامة جامعات بأحدث التقنيات، ونبدأ بإنشاء أحدث جامعة في قصر رئيس الوزراء الذي يفترض أن يكون المنزل المخصص لي، وهو مكان كبير جدًّا؛ لذا قررت أن أعيش في بيت صغير، وأحول ذلك المكان الكبير الذي كان مخصصًا لشخص واحد هو رئيس الوزراء، إلى جامعة حديثة جدًّا للتعليم العالي والدراسات العليا.
ليس هناك دولة تستطيع أن تتطور بدون التعليم، وعلى وجه الخصوص التعليم العالي. وإن ما نملكه الآن هو اقتصاد المعرفة. وإن اقتصاد المعرفة يعني أنك لا يجب عليك أن تبذل كثيرًا من الموارد؛ فالمعرفة في العقل، والمثال أمامنا هي سنغافورة.. باكستان بدأت مشوارها قبل سنغافورة، واليوم سنغافورة في مجال الصادرات قد تجاوزت باكستان كثيرًا؛ لأنها استثمرت في الإنسان.
* كما تعلمون، فإن العلم والثقافة هما أهم العناصر لتطوير البلاد، وكان مشروعكم التعليمي في جامعة “النومل” قد احتل مكانة مرموقة، ولدينا أيضًا جامعات مرموقة جدًّا في المملكة العربية السعودية.. كيف ترى أنه يمكن استثمار هذا السياق الفكري والتعليمي في كلا البلدين؟
** أنا أتطلع للحديث إلى سمو ولي للعهد، وتحديدًا في المجالات التي يمكن أن يفيد فيها كلٌّ منا الآخرَ. والتعليم هو من أكبر هذه المجالات. لقد أسسنا جامعة “النومل” في منطقة ريفية، وهي الدائرة التي أنتمي إليها (ميان والي). والذي اكتشفناه أنه إذا وفرت تعليمًا جيدًا للفقراء، والذين يفتقدون للتعليم الجيد، فإذا وفرت لهم تعليمًا جيدًا فإن تعطشهم للتقدم كبير جدًّا، وسيتغلبون على الذين مثلي ممن حصلوا على تعليم جيد وذهبوا إلى مدارس ذات نوعية عالية.. سيكون لديهم دافع أكبر بكثير من الآخرين؛ فجامعة “النومل” كانت تابعة لجامعة “براكفورد”، و90% من الناس في هذه المناطق الريفية يحصلون على تعليم مجاني.. 90% منهم يحصلون على منح، وكانت نتائجهم أفضل بكثير من النتائج في جامعة “براكفورد”؛ فما أدركناه حقًّا هو أن علينا أن نوفر التعليم لهذه الطبقة الفقيرة.. الطبقة المهمشة في البلاد، الذين لديهم الرغبة القصوى في الدراسة وتطوير أنفسهم.
* أنتم كرئيس للوزراء، كيف ستوسعون الدبلوماسية التعليمية التي بدأتها في جامعة “نومل”؟ كيف ستنشرون قاعدة التعليم النوعي في جميع أنحاء باكستان؟
** نعم، لا شك أن أهم شيء هو أن نتعاون.. نحن نحب أن نتعاون في مجال التعليم، وفيما عرفناه عن تجربة المملكة العربية السعودية. وأنا أعتقد -رغم أنني لست محيطًا بوضع التعليم في المملكة العربية السعودية- أن هناك كثيرًا من الأموال أنفقت على التعليم العالي في المملكة العربية السعودية.
استعمار جديد
* لقد عبَّرت حكومتكم عن موقف داعم للمملكة ضد كندا، وهذا يؤكد موقف حكومتكم المؤيد لعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.. فما رؤيتكم بخصوص التدخلات في شؤون الدول الأخرى؟ وعدم التدخل من أسس السياسة الخارجية للمملكة؛ فالسعودية لم تسمح مطلقًا لأي دولة أن تتدخل في شؤونها، وهي لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى.
** دعني أُشِرْ إلى شيء مهم حول التدخلات الخارجية؛ هو أن المشكلة بدأت من حقبة الاستعمار؛ حيث كان معظم العالم الإسلامي تحت حكم الاحتلال في النصف الأول من القرن العشرين. وعندما خرجت البلاد الإسلامية من الوصاية الاستعمارية، كانت تريد أن تقف على قدميها، وتجد نوعًا من منظومة الحكم. وكانت كل دولة مسلمة تمر في نوع معين من النشأة، ولكن الذي حصل هو أننا بدأنا نتعرض لنوع جديد من الاستعمار.. يوجهنا كيف نتصرف باسم حقوق الإنسان وغيره من العناوين، ويبدي قلقه على وضع المرأة في العالم الإسلامي.
وإلى حد ما كانت الدول الغربية تملي على الدول الإسلامية كيف تتصرف، وأي ثقافة يجب أن يتبنوا، وما الصحيح وما الخطأ، وكان هذا استعمارًا جديدًا، كما كان في الحقيقة “إمبريالية ثقافية”؛ فالدول لا تتطور حين تفرض عليها ثقافات الدول القوية.
تنمو الدول حين تكوِّن ثقافاتها الخاصة، وتبحث حول العالم، وتتأثر بالدول الأخرى، ولكنها تنمو بشكل عضوي حين تكون جذورها ضاربة في تربتها؛ فهذه هي الطريقة التي تنشأ بها الدول.
ولكن عندما تفرض عليك ثقافة الأقوياء، فإنها تسبب أزمة ثقافية في البلاد، وتسبب مشكلات للمجتمع؛ فالأصولية هي في الحقيقة ردة فعل المجتمع الإسلامي تجاه الثقافات الأخرى التي يتم فرضها عليها بالقوة.. وذلك يسبب ما يسمى “التغريب الزائف”، الذي ينمو في سياقه التاريخي والثقافي. وإذا كنا نتصور أن المجتمع المسلم سيتبنى الطريقة الغربية في الحياة بدون التواصل مع الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، فإن ذلك يسبب تداخلًا ويسبب أزمة وردة فعل؛ فأنا مؤمن جدًّا بأن المجتمعات يجب أن تنمو في ظل ثقافتها الخاصة وتاريخها ودينها الخاص.
مهين لـ1.3 مليار مسلم
* موقفكم بشأن الرسوم المسيئة في هولندا كان إيجابيًّا.. هذا الموقف أدى إلى تغيير كبير في الموقف الهولندي، وأنتم تحدثتم عن ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وتعلمون جيدًا أن المملكة العربية السعودية تتبنى الوسطية والاعتدال.. فكيف يمكن لبلدينا أن يرسلا رسالة إلى الغرب أن الإسلام بريء من الإرهاب وأن الإسلام اختطفته جماعات إرهابية؟
** بدايةً.. الإسلام هو دين الوسطية، ولو نظرت إلى التاريخ ستجد أن الإسلام أكثر دين وسطي بين الأديان، وأن الأقليات الأخرى عاشت في المجتمعات الإسلامية لقرون طويلة ومارست حريتها الدينية.
أنا أتحدث عن كل شيء بالمقارنة مع الآخرين؛ فلو نظرت إلى الحكم الإسلامي في الأندلس وتاريخ المسلمين في إسبانيا، فقد كان حكمًا منفتحًا أتاح الحرية لكل الأديان، وقد نص القرآن الكريم على ذلك بشكل خاص في قوله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
أما ما يتعلق بالرسوم الهولندية المسيئة، فإنها قضية مهمة جدًّا، لم يتم تناولها من الدول الإسلامية؛ فاليهود أخبروا العالم بنجاح أن “الهولوكوست” سبَّب كثيرًا من الآلام للشعب اليهودي، وقالوا بوضوح: لا تتحدثوا عن هذا الموضوع، ولا تعتمدوا على تفسيراتكم الخاصة؛ لأن ذلك يسبب لنا ألمًا. والعالم الغربي تفهم ذلك، لكن الغرب لا يفهم الألم الذي يسببه للمسلمين حينما يمرر تعليقات ساخرة عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أو حينما يبدأ باستهداف القرآن الكريم. وهذا يمثل فشلًا للعالم الإسلامي؛ لأننا لم نكن قادرين على أن نشرح للعالم الغربي لماذا هذا يؤلمنا جدًّا؛ لأن الطريقة التي ينظر بها العالم الغربي إلى الدين تختلف كليةً عن الطريقة التي ننظر بها إلى الدين.. الطريقة التي ننظر بها إلى الأنبياء والرسل تختلف جدًّا عن الطريقة التي ينظرون بها إلى الأنبياء والرسل الذين كانوا مرسلين من الله.
ونحن نحاول أن نشرح لهم أنه إذا استمر هذا الأمر، بأن يقوم أحد من العالم الغربي بإهانة مشاعر المسلمين بالتهجم على النبي الكريم، وعندما يحصل ذلك؛ فإنه سيجر غضبًا في العالم الإسلامي؛ لأن الأكثرية في العالم الغربي لن يتفهموا، وسيصفون الإسلام بأنه دين غير متسامح، وستتنامى مشاعر “الإسلاموفوبيا” في الغرب.
لذا فإنني أشعر بقوة أن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة يجب أن تشرحا للقوى الغربية أن هذا الأمر يسبب لنا إهانة.. ونحن أكثر من مليار و300 مليون إنسان على هذه الأرض.. وهذا يهيننا.. لماذا لا يستطيع البشر أن يعيشوا معًا؟! لماذا لا يستطيعون علاج هذه المسألة بحساسية كما يتعامل الغرب مع “الهولوكوست”؟!
رسائل إلى…
* ما رسالتكم إلى مليونَي مغترب باكستاني في المملكة العربية السعودية؟ وأنا أعلم أن دولة رئيس الوزراء يعطي أهمية كبيرة للباكستانيين الذين يعيشون في الخارج.. ما رسالتك إليهم؟ وما الرسالة التي توجهها بلسان 200 مليون باكستاني إلى الشعب السعودي؟
** رسالتي إلى الباكستانيين الذين يعملون في الخارج: أريد أن أقول إنني أحيانًا أشعر بالأسى أننا لم نستطع أن نصنع في بلادنا بيئة تناسبكم.. إنه من الصعب أن تغترب خارج البلاد وتترك أسرتك وراءك وتعمل.
كل ما عليك فعله هو أن تعمل بجد وتكد دائمًا لتطعم عائلتك هنا. وأنا أدعو الله -تعالى- أن يأتي ذلك اليوم الذي يأتي فيه الناس من الخارج ليعملوا في باكستان، وسنوفر بيئة توفر للناس مؤونة السفر، والبحث عن الوظيفة في الغربة. وإنني لا أملك الآن شيئًا سوى الإعجاب بهؤلاء الباكستانيين الذين يعملون بجد، ويعيلون أسرهم ويرسلون تحويلات إلى باكستان تساعدنا في الأوقات العصيبة.. إنه ذلك المال القادم من تحويلات الباكستانيين المغتربين، ليس لدي شيء لهم الآن سوى الإعجاب.
ونؤكد أننا سنتابع شؤونهم، وقد وجهت جميع سفاراتنا بأن يعتنوا بالباكستانيين المجتهدين الذين يعملون خارج البلاد.
وإلى شعب المملكة العربية السعودية لدي رسالة: إن شعب باكستان يحب شعب المملكة، وسنتذكر دائمًا ونكرر أن حكومة المملكة العربية السعودية وقفت بجوارنا في الأوقات العصيبة.
* بعيدًا عن السياسة.. هل لديك وقت تقضيه مع أفراد الأسرة؟! لأنني علمت بأنك تعمل على مدار الساعة؟
** حسنًا، منذ تم عقد الانتخابات الباكستانية لم يعد لدي وقت كافٍ لعائلتي، ومنذ أن وصلت إلى السلطة لم آخذ يوم إجازة؛ لأن علي أن أتعامل مع كل المشكلات التي تواجهها باكستان، وكنت دائمًا أعتقد أن أول ثلاثة أو أربعة أشهر ستكون صعبة جدًّا، بالنظر إلى أن باكستان تواجه عددًا من الأزمات، ولكن أرى أن الأمور ستكون أسهل بعد ذلك.
أعتقد أن باكستان هي البلاد التي تمتلك شعبًا قويًّا جدًّا، وأؤكد ما ذكرته أن على باكستان أن تصلح شيئًا واحدًا؛ هو نظام الحكم، ثم ستصبح الأمور أسهل، وسيكون من السهل عليَّ أن أقضى وقتًا أطول مع أسرتي.
* شكرًا جزيلًا دولة رئيس الوزراء على إتاحة الفرصة للحديث معكم، ونتمنى لكم النجاح والتوفيق.
** في الواقع الشكر موصول لكم؛ فلقد استمتعت بالحوار معكم.